هل كان اليابانيون في الأصل نباتيون؟ نُقدم لكم شرح عن تاريخ اليابانيين والطعام النباتي!
تاريخ الطعام الياباني قد يكون مختلف عن باقي الدول خاصةً من ناحية استهلاك اللحوم. فكثير من الناس تعتقد أن اليابانيون كانوا تقريباً نباتيين في الماضي خاصةً خلال فترة العزل التي استمرت لأكثر من 300 عام. ولكن ياترى ما هي الأطعمة التي كان يأكلها اليابانيون بشكل أساسي وما مدى عمق العلاقة بين اليابانيين والطعام النباتي؟ في هذه المقالة سأقدم لكم بشكل عام تاريخ اليابان مع الطعام النباتي والحيواني. لنبدأ جولتنا في تاريخ اليابان.
الطعام الياباني القديم:
منذ وقت بعيد جداً بدأ الناس يعيشون في الأرخبيل الياباني. وقد تم العثور على أدوات حجرية تعود إلى 110.000- 120.000 سنة في الأنقاض بمحافظة شيماني وهي تُعتبر الأقدم في اليابان. وخلال هذه الفترة كان العصر الجليدي الذي استمر لعشرات الآلاف من السنين على وشك الانتهاء.
ومع الوقت ارتفعت درجة الحرارة تدريجياً منذ 6000 عام، وقد كانت متوسط درجة الحرارة السنوية أعلى بحوالي درجتين مما هو عليه الآن. ونتيجة لذلك كانت غابات البلوط تغطي معظم منطقة توهوكو. وفي تلك الفترة كان شعب جومون يصطاد الغزلان برمح مصنوع يدوياً، وكان يأكل النباتات بشكل أساسي.
فالغذاء الأساسي كان عبارة عن كستناء وجوز وبلوط وغيرها من نباتات. وقد كانوا يحصدونه في الخريف ليُخزن حتى يستطيعوا تناوله على مدار العام.
ولكن ماذا عن الأزر؟ في الواقع لقد وصلت زراعة الأرز إلى اليابان من الصين عبر نهر اليانغتسي السفلي والجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية منذ حوالي 3000 عام. ونظراً لأن مناخ وتربة اليابان مناسب لزراعة الأرز، فقد انتشرت زراعته في معظم أنحاء اليابان.
في ذلك الوقت، تعلم اليابانيون “شعب جومون” تقنيات زراعة الأرز وبدأوا بزراعته لأنه كان من الصعب تأمين الغذاء من المنتجات الطبيعية بسبب تغير المناخ. وبهذا انتشرت زراعة الأرز في جميع أنحاء اليابان وأصبح الأرز هو الغذاء الأساسي.
وهكذا أصبح من الشائع توفر مكونات عدة في الطعام الياباني، مثل الأرز، والشعير، والفواكه مثل الخوخ والكاكا، واللحوم مثل الغزلان والمأكولات البحرية. حيث يتم تقديم طبق الأرز مع أطباق أخرى جانبية من الخضار والحساء والتوابل. ولكن بالنسبة للناس العامة الفلاحيين، فقد كانوا يخلطون الدخن مع الأرز خاصة في المناطق الجبلية التي لم يتوافر فيها الأرز بكثرة.
وفي عام 675 م أصدر الإمبراطور تينمو أول مرسوم رسمي يحظر استهلاك لحوم “البقر والخيول والكلاب والدجاج والقرود” خلال ذروة موسم الزراعة من أبريل إلى سبتمبر. ومع مرور الوقت، تقدم القرار ليصبح تناول اللحوم من المحرمات على مدار العام.
ومع ذلك أبدع اليابانيون في الأطباق التي تعتمد على الخضراوات والأسماك ليصبح هناك العديد من الأطباق الفاخرة التي تقدم للارستقراطيين. فمثلاً كانوا يقومون بتقطيع الأسماك بطرق دقيقة ويقدمونها مع أطباق صغيرة تحتوي على توابل مثل الخل والملح، وذلك لإعطاء الحرية لمتناول الطعام في تتبيل السمك حسب المذاق المرغوب.
ومع ذلك صدر قرار آخر في فترة هييان في عام 927 م ينص على أن أي مسؤول حكومي أو عضو من النبلاء يأكل اللحوم يعتبر غير نظيف لمدة ثلاثة أيام ولا يمكنه المشاركة في احتفالات الشنتو في البلاط الإمبراطوري. فأصبح نظام الطعام الياباني يعتمد بشكل أساسي على الأرز والخضراوات والأسماك وغيرها عدا اللحوم الحمراء.
وبهذا نجد أن النظام الغذاء الياباني تقريباً نباتي، ولكن هناك عامل آخر أبقى اليابانيين بعيداً عن اللحوم، هو أن اليابان كانت دولة جزرية تُعاني من نقص في الأراضي الزراعية.
وكانت تربية الماشية تحتاج مساحة أكثر من مساحة الزراعة نفسها، فقام اليابانيون بقطع كمية كبيرة من الغابات لاستعمالها في الحقول، وقتلوا العديد من الماشية لتناولها كمصدر غذاء. وهذا كان له دور كبير في حظر اللحوم.
شوجين ريو
هو طبق مكون من مكونات نباتية لا يدخل به أي مشتق من اللحوم. وطعمه مشابه لطعم اللحوم، حيث يتم استعمال مكونات عالية التأثير مثل، دقيق فول الصويا، ودقيق القمح، والميسو، والزيوت النباتية، لجعل الطعم أقرب إلى طعم المكونات الحيوانية ذات المذاق العميق.
وهذا الطبق يمكن القول أنه نظام غذائي بوذي ياباني تقليدي يأكله الكاهن أثناء تدريبه. وقد انتشر هذا الطبق عندما وصلت فلسفة الزن ذروتها في جميع أنحاء اليابان، ولكن لماذا لا يحتوي على لحوم؟ في الواقع إن طبق شوجين ريو متأثر بالفلسفة الصينية. وهناك سببان وراء عدم تناول اللحوم وهما كالتالي:
* السبب الأول: هو “أيديولوجية زن”، حيث يعتقد العديد من البوذيين أنه عندما يقتل البشر الحيوانات ويأكلونها، تصبح أرواحهم غائمة فيصبح التأمل أقل نقاءً.
*السبب الثاني: هو أن نمط الحياة النباتية يقلل من كمية النفايات في العالم. إذ يُعد الاكتفاء الذاتي والتقشف والاستدامة أساس ثقافة طعام شوجين ريو. حيث كان يُعتقد أنه من خلال البحث عن الأطعمة الموسمية بجهد الشخص، يمكن بهذه الطريقة الانسجام مع الطبيعة وتعميق التأمل والإدراك لفوائد الطبيعة القيمة.
وصول ثقافة تناول اللحوم إلى اليابان من الدول الأجنبية
وصل المبشرون البرتغاليون إلى اليابان في أوائل القرن السادس عشر، وقد تم إخبارهم بأن سكان اليابان المحليين يعتبرون شرب الحليب مشابه لشرب الدم، وأن تناول لحوم البقر أمر لا يمكن تصوره إطلاقاً. حتى أمير الحرب “تويوتومي هيديوشي” استجوب المبشرين البرتغاليين حول تناولهم للحوم البقر، حيث كانت الأبقار في اليابان مهمة جداً في المزارع.
ومع ذلك كان البرتغاليون قادرين على نشر بعض المأكولات الخاصة بهم بين السكان المحليين، بما في ذلك الحلويات والتيمبورا ولحم البقر، والتي أطلق عليها سكان كيوتو اسم “واكا” اشتقاقاً من كلمة فاكا البرتغالية.
وقد بدأت العادات الغذائية تتغير بشكل أسرع في أواخر القرن التاسع عشر. وبعد أن تولى الإمبراطور ميجي السلطة في عام 1868م تحركت الحكومة اليابانية أخيراً وتم إنهاء قرنين من العزلة وبدأ تعلم العادات والتكنولوجيا الغربية التي وصلت اليابان.
وبهذا بدأت حكومة ميجي في التخلص قوانين حظر اللحوم، وتم إنشاء شركات لإنتاج اللحوم ومنتجات الألبان. ولكن يبدو أن إقناع الناس في التخلي عن القوانين القديمة، وإقناعهم بتناول اللحوم قد استغرق وقت طويل بعض الشيء.
فقد كان البوذيين المتدينين من المعارضين بشدة، وأيضاً الفلاحين الريفيين الذين اعتمدوا على حيواناتهم في الزراعة، استغرقوا وقت في تقبل فكرة تناول اللحوم، حيث كانوا يعتقدون أن أكل اللحوم يُعتبر خطيئة.
لحم واغيو “أجود أنواع لحوم البقر”
ولكن إمبراطور مييجي وحكومته أدركوا أن اللحوم لم تكن فقط من أجل تحديث اليابان وتعزيز الصحة، ولكن أيضاً لتعزيز قوتها العسكرية. ففي ذلك الوقت كان الجنود اليابانيون عادةً نحيفين وبنيتهم ضعيفة جداً لدرجة أن أكثر من 16% من المرشحين للتجنيد كانوا أقصر من الحد الأدنى للطول.
في النهاية بالتزامن مع انفتاح اليابان على العالم، بدأت فكرة تقبل اللحوم تنتشر في اليابان تدريجياً، وسرعان ما ظهرت في المدن مطاعم باهظة الثمن على الطراز الغربي تقدم اللحوم، تليها مطاعم يابانية بأسعار معقولة تقدم مرق لحم البقر الطبي وغيرها من أطباق تطورت فيما بعد.
أما الاحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان يعتبر الخطوة الرئيسية الثانية لزيادة استهلاك اللحوم في اليابان. حيث تم تقديم البرغر وشرائح اللحم ولحم الخنزير المقدد وغيرها من أطباق لحوم غربية. والآن يأكل اليابانيون اللحوم بقدر ما يأكلون المأكولات البحرية. فعلى الرغم من أن تقبل تناول اللحوم استغرق بضعة عقود، إلا أن اللحوم أصبحت الآن جزءاً من المطبخ الياباني تماماً مثل السوشي.
الخلاصة:
في الواقع مازالت اليابان تحافظ على الطعام التقليدي الذي اعتادت على تناوله في الماضي ويُطلق عليه “واشوكو”. والتكوين الأساسي لهذه الأطباق يُعد وجبة نموذجية. فالطعم المميز يعود إلى المهارة في طهي الطعام المعتمد على طعم “أومامي” اللذيذ. كما تركز أطباق واشوكو على أن تكون نسبة دهون الحيوانية قليلة جداً. وهذا هو سر عيش اليابانيون برشاقة وكونهم من أكثر الشعوب المعمرة على وجه الأرض.
وبهذا نجد أن نظام الطعام الياباني مائل للنباتي ولكن يتم استعمال كمية قليلة من اللحوم حسب الوجبة. فقررت منظمة اليونسكو إدراج الطعام الياباني التقليدي “واشوكو” على قائمة التراث الثقافي العالمي الغير المادي. حيث يتميز الطعام الياباني بسعرات حرارية منخفضة تجعله أحد أفضل الأطعمة الصحية.
عند زيارتنا لبعض المطاعم في اليابان وبدل عن البحث عن مطاعم حلال في بعض الاحيان نتوجه الى اي مطعم وكنا نطلب شوجن ريوري فنتمكن من الحصول على وجبتنا بسهولة
كما توقعنا، شوجن ريوري ينقذ الكثير من الناس سواء الذين يريدون طعام حلال أو الأشخاص النباتيين. من الجميل أن تقديمه مازال مستمر في المطاعم اليابانية! شكراً جزيلاً لك على مشاركتنا تجربتك!