هل اليابان دولة ذات معدل مواليد منخفض وبها نسبة كبار سن مرتفعة؟ ماذا سيحدث لمستقبل اليابان؟
أصبح انخفاض معدل المواليد مصطلحاً شائعاً في اليابان. ومع ذلك هذه المشكلة شائعة أيضاً في الدول الغربية المتقدمة، ولكن اليابان من بينهم تشهد انخفاض سريع وحاد في معدل المواليد والذي ينتج عنه انخفاض نسبة الشباب وارتفاع نسبة كبار السن. وهذه مشكلة كبيرة تهدد مستقبل اليابان المعروفة بالتقدم والتطور المثالي في العالم.
وفي هذه المقالة سأقدم لكم شرح ودراسات عن مشكلة انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن في اليابان، والتي تُعتبر مشكلة كبيرة اليوم يتم اتخاذ تدابير عدة لمكافحتها.
انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن
إن انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي تزداد في اليابان في الآونة الأخيرة. فعندما ننظر إلى حالة عدد المواليد في اليابان، فنجد أنه آخذ في الانخفاض بشكل سريع. ووفقاً للكتاب الأبيض حول الحياة الوطنية الصادر في عام 1992م، تم تعريف انخفاض معدل المواليد على أنه الحالة التي يكون فيها إجمالي معدل المواليد أقل بكثير من المستوى الضروري للحفاظ على تعداد السكان.
أما مشكلة ارتفاع نسبة كبار السن، فهي الحالة التي تحدث عندما تكون فئة كبار السن بعمر 65 عام وأكثر يفوق نسبة الشباب والفئة المنتجة في المجتمع. وفي الواقع لا يوجد تعريف دولي واضح لمصطلح “المسنين”، حيث يتم استعماله وفقاً لمقياس الدولة المشترك.
حيث أظهر مسح لوزارة الشؤون الداخلية في الآونة الأخيرة أن العدد التقديري للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر في اليابان بلغ 36.17 مليون، وهو ما يمثل 28.7 بالمائة من إجمالي سكان اليابان، وهو رقم قياسي.
المشاكل التي تنتج عن انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن
إن انخفاض معدل المواليد له آثار سلبية على المجتمع، ولاسيما أنه يصاحبه ارتفاع في نسبة كبار السن، مما يعني نقص في نسبة الشباب المنتجة والعاملة. والآن سأُقدم لكم أنواع المشاكل لهذا الموضوع:
التأثير على الاقتصاد
يعتمد النشاط الاقتصادي على القوة العاملة، ولكن إذا استمر الانخفاض السريع في عدد السكان وخاصةً نسبة الشباب، فإن القوة العاملة ستنخفض بمعدل سريع. وهذا سيؤدي إلى انكماش الأسواق المحلية، وستصبح أقل جاذبية كوجهة استثمارية. هذا إلى جانب القلق من حدوث حلقة فارغة يتدهور فيها معدل المواليد بشكل أكبر، بسبب ساعات العمل الطويلة التي تغطي مشكلة نقص العمالة، والتي في نفس الوقت تسبب فشل في تحقيق توازن بين العمل والحياة.
كما أن نسبة المسنين الزائدة والانخفاض السريع في عدد السكان الناتج عن انخفاض معدل المواليد، يؤثر سلبياً على الاقتصاد من حيث العرض والطلب. فبمجرد أن يبدأ الاقتصاد بالانكماش سيسقط في دوامة العجز والانكماش التتابعي بالتزامن مع قلة الإنتاج الناتج عن الضغط الفردي وتدهور الاقتصاد وقلة الاستهلاك.
التأثير على الحكومات المحلية
بالنظر إلى معدل المواليد في البلدات والقرى والأرياف اليابانية، فإنها تتراجع بسرعة مستمرة. فإذا استمرت هجرة السكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية على هذا النحو، فسوف يزيد تدفق السكان في منطقة “كانتو” مثل طوكيو. وهذا سيؤدي إلى انخفاض معدل المواليد في المناطق الريفية بشكل حاد، فينخفض عدد السكان خاصةً الشباب وترتفع نسبة كبار السن ويصبح الوضع خطير.
فمع زيادة نسبة كبار السن، فقد يكون من الصعب على أكثر من ربع الحكومات المحلية خاصةً في المناطق الريفية، الحفاظ على وظائفها الإدارية كما كان الوضع من قبل. ولكن في النهاية لا خيار أمام الشباب سوى الذهاب إلى المناطق الحضرية بسبب عدم وجود عمل أو مستقبل في المناطق الريفية.
ومع ذلك يوجد أسباب رئيسية في وراء تناقص معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن، وهو ساعات العمل الطويلة التي تجعل من الصعب تكوين أسرة مستقرة. والمرأة التي تتخلى عن الإنجاب بسبب خوفها من فقدان حياتها المهنية بعد إنجاب الطفل. والشباب الذين لا يستطيعون الحصول على مهنة منتظمة، ويعانون من ضائقة مالية. وتعليم الطفل، حيث لاتتخذ الحكومة أي إجراءات ضد التكاليف الباهظة لتربية الأبناء مثل النفقات.
ونظراً لارتفاع نسبة كبار السن في منطقة طوكيو حيث يتركز السكان، سيختفي نشاط وحيوية طوكيو كمدينة عالمية، حتى وإن كان للعديد من كبار السن دخل وخدمات متوفرة، إلا أن الرعاية الطبية والتمريضية ستنقص بالتزامن مع ارتفاع نسبة كبار السن وانخفاض نسبة الشباب.
التأثير على نظام الضمان الاجتماعي
بسبب انخفاض معدل المواليد الذي يعني انخفاض نسبة الشباب وزيادة كبار السن، فإن عدم التوازن بين مزايا وأعباء الضمان الاجتماعي وخاصةً تكاليف الرعاية الطبية والتمريضية، سيصبح واضح جداً وقد يؤدي لآثار سلبية كثيرة. كما أنه سيصبح عبئاً بالنسبة للشباب في كون المال الذي يدفعونه يذهب بشكل كبير لرعاية المسنين. ونتيجة لذلك، لن يتحمل الشباب التكاليف فيقرر العديد منهم عدم الإنجاب، لأنهم لا يملكون المال لتربية الأطفال. وهذا سيعمل على تسارع انخفاض معدل المواليد.
ماذا سيحدث لمستقبل اليابان
ماذا سيحدث في المستقبل إذا استمر انخفاض معدل المواليد وارتفاع نسبة كبار السن بالاستمرار؟ يقوم المعهد الوطني للضمان الاجتماعي وقضايا السكان بتقدير التغييرات في الهيكل الديموغرافي مثل حجم سكان اليابان وهيكل العمر.
ووفقاً لذلك، من المفترض أن يتغير إجمالي معدل المواليد الخاص من القيمة الفعلية البالغة 1.45 في عام 2015 إلى 1.42 في عام 2024، وسيصل إلى 1.43 في عام 2035، ويقدر أنه قد يبلغ 1.44 في عام 2065. وبالنظر إلى هذا التقدير، يمكن افتراض أن إجمالي معدل المواليد ثابت تقريباً.
وبالنظر إلى عدد الوفيات، فمن المتوقع أن ينخفض إجمالي عدد السكان إلى أقل من 100 مليون حيث قد يصل إلى 99.24 مليون في عام 2053، وإلى 88.08 مليون في عام 2065.
أما التغيرات في تعداد السكان من حيث فئات المجتمع، فإن نسبة الشباب في عمر (0~14) ستنخفض إلى أقل من 10 ملايين في عام 2044، وستصل إلى 8.98 مليون في عام 2065 بنسبة 10.2% فقط من إجمالي السكان.
وبعد أن يبلغ عدد كبار السن ذروته إلى 39.35 مليون في عام 2042، يتوقع أن ينخفض ليصل إلى 33.81 مليون في عام 2065، أي بنسبة 38.4 % من إجمالي السكان.
وتشير الدراسات إذا بقي الوضع على حاله فإن مستقبل اليابان ينتظر أن يقوده 40% من فئة كبار السن وحوالي 10% فقط من فئة الشباب في عمر(0~14)، و51.4% من فئة الشباب المنتجين.
تدابير لمكافحة انخفاض معدل المواليد ونسبة كبار السن المرتفعة
تقوم الحكومة اليابانية بتطبيق تدابير مختلفة لوقف مشكلة انخفاض معدل المواليد والعمل على زيادة الشباب. ولكن على الرغم من أن هذه الإجراءات لها تأثير يُذكر، إلا أنه من الصعب القول إنها وسائل فعالة لوقف هذه المشكلة التي تزداد عاماً بعد عام.
ولكن سأقدم لكم بشكل مبسط نوع التدابير التي يتم اتخاذها، وذلك من خلال مبادرات معالجة انخفاض معدل المواليد. حيث يتم تعزيز تدابير دعم تنشئة الطفل، مثل توفير خدمات رعاية أكثر ليونة في الحضانات ورياض الأطفال تناسب الأهل العاملين وتخفف عليهم عبء القلق والتكاليف المالية.
هذا إلى جانب توفير الدعم المادي مثل الحصول على خصومات في الشراء وتوفير دعم لاحتياجات الطفل مجاناً مثل البامبرز والمحارم والحليب شهرياً، بالإضافة إلى دعم مالي جانبي يساعد على رعاية الطفل.
وأيضاً يتم العمل على مشاريع وأفكار تدعم الزواج المبكر من أجل الإنجاب في سن مبكرة، مثل دعم مالي لتخفيف نفقات الزواج ونفقات المعيشة، وهذا من شأنه أن يساعد في زيادة عدد الأطفال في الأسرة الواحدة.
هذا إلى جانب تحسين نظام العمل في الأماكن التي تشهد ضغطاً في العمل لتوفير حياة متوازنة سواء للرجال أو النساء، والاهتمام بتوفير إجازة أمومة أكثر ليونة مناسبة للأم مع نظام عمل مناسب لها بعد الانتهاء من الإجازة.
حين تطمح المقرات التي أنشأتها الحكومة إلى تنفيذ بنية تمكن من توفير دعم مستمر لصغار السن كالشباب، في مجالات تتعلق بالتوظيف والزواج وتربية الأطفال بالتركيز على أن أكثر الطرق فاعلية للتصدي لانهيار التعداد السكاني هي تحسين معدلات المواليد في أقرب وقت ممكن.
وبالنسبة لفئة كبار السن، يتم توفير خدمات رعاية جيدة في دور الرعاية والدعم المادي والمعنوي، مع جهود تشجع كبار السن على الانخراط في المجتمع في العمل بشيء يناسبهم لتقديم ما يرغبون من خبرات وعلم للمجتمع، وتوفير بيئة تساعدهم على ممارسة هواياتهم. وبتطبيق التدابير والإجراءات التي ذكرتها سابقاً بطرق أكثر فعالية سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل المواليد وزيادة نسبة الشباب.
الخلاصة:
يبدو أن التدابير التي يتم تطبيقها في اليابان للمساعدة في رفع معدل المواليد حتى الآن ليست بتلك الفعالية المرغوب بها، فإذا كانت فعلاً فعالة ومشجعة كان من المفترض أن تقوم اليابان بقفزة لا بأس بها على الأقل في معدل المواليد. ولذلك أعتقد أنه يجب أن يتم اتخاذ هذا الموضوع بجدية أكثر من قبل، والعمل على دعم الشركات والمؤسسات.
مثل وضع الحكومة قوانين لرفع الحد الأدنى للأجور، وتشجيع الاستثمارات العامة للوصول إلى الحد الأدنى من الأجور. وبالتأكيد تخفيف ضغوط العمل والضرائب بشكل رسمي وتحت مراقبة أكثر.
وأيضاً لابد من دعم أصحاب المشاريع الصغيرة وتطبيق مشاريع تشجيع الزواج بطرق فعالة أكثر، وبما أن المناطق الريفية لا يوجد بها الكثير من المجمعات التجارية والخدمات مثل المدن الحضرية، فلن ترغب الشركات في تنفيذ مشاريع تجارية في منطقة لا يوجد فيها سكان بعدد كافي.
ولذلك إذا اتخذت الحكومة تدابير مثل رفع الحد الأدنى للأجور من خلال الاستثمار العام، حتى لا يضطر الشباب إلى الذهاب إلى المناطق الحضرية للعمل ودفع الأجور المرتفعة. فسيظل الشباب في المناطق الريفية وسيعود الكثير من المناطق الحضرية إلى الريف. وتدريجياً مع زيادة عدد السكان هناك، قد تفكر بعض الشركات في بناء مجمعات تجارية توفر خدمات كثيرة. وهذا سيعمل على زيادة فرص العمل.
كما يجب توعية الأجيال الصغيرة أن تكوين الأسرة هو أمر مهم، فالأسرة هي وحدة بناء المجتمع بدونها سينهار المجتمع تدريجياً. فلا بد من تحقيق حياة متوازنة حتى لا يحدث مشاكل سواء اقتصادية أو حتى اجتماعية ونفسية مثل الانعزال والوحدة التي يعاني منها العديد من كبار السن وحتى بعض الشباب في اليابان.
يبدو أنه هناك الكثير من الأمور لابد من دراستها والتفكير بها قبل تطبيق أفكار شديدة كهذه، يمكننا قول الكثير من الحلول والاقتراحات ولكن يجب دراسة الطرق والإجراءات جيداً فالأمر ليس بتلك السهولة.
ومع ذلك إن التحرك أفضل من البقاء ساكناً. إن اليابان كما قلتُ تحاول بذل جهدها في حل هذه المشكلة، ولكن أتمنى أن يتم العمل بشكل أقوى وأن يحدث تغيير سريع ونسمع أخبار حدوث قفزة في معدل المواليد في أقرب وقت ممكن. وأشكركم على القراءة.