نُقدم لكم أجراس الرياح “فورين” اليابانية وتاريخها وأصلها!
كثير منا مُعجب بتلك الأجراس المُزينة والتي تكون معلقة على حافة الشرفة أو النافذة، والتي عندما تهز الرياح شريط الورق المعلق بها تُصدر رنين تتداخل معه نغمات الرياح فينتج صوت متذبذب هادئ يريح العقل. تلك الأجراس تُدعى “فورين” في اللغة اليابانية، وهي من العناصر الصيفية المهمة في الثقافة اليابانية والتي تحظى بشهرة كبيرة بين الصغار والكبار.
ولكن ياترى من اخترع فكرة أجراس الرياح الجميلة ولماذا أصبحت توضع على النافذة أو على حافة السقف الخارج للمنزل؟ هذه المرة سأقدم لكم أصل وتاريخ أجراس الرياح وكل ما يتعلق بأجوبة هذه الأسئلة. لنبدأ رحلتنا في الثقافة اليابانية!
ما هي الفورين “أجراس الرياح”
أجراس الرياح اليابانية “فورين” (風鈴) يمكن تقسيمها بهذا الشكل (فو 風) ويعني رياح و(رين鈴) يعني جرس. وهي تُعد عناصر ترمز للصيف في اليابان، تتكون من شكل خارجي على شكل وعاء مصنوع من البرونز أو الزجاج، وبداخله حبل مغُلف أو مُعلق به عنصر مصنوع من الزجاج أو من مادة أخرى، وعادةً يوجد شريط من الورق المُزين مرتبط بالحبل. هذه العناصر الثلاثة معاً تكون ما يطُلق عليه “فورين”.
وعادةً يتم تعليق الفورين أو أجراس الرياح على النافذة أو بالقرب منها، أو حتى على حافة سطح المنزل الياباني التقليدي حيث تكون هذه الأجراس في موقع تمر فيه نسمات الرياح. فإذا هبت نسمات الرياح العليلة ستتحرك الورقة المرتبطة بالفورين فتصدر رنات هادئة ومريحة تُشعرنا بجمال الصيف.
“أجراس الرياح في الريف الياباني” تصوير الكاتب ومحرر الموقع makosan_ar@
أصل وتاريخ أجراس الرياح
يقال إن أجراس الرياح مُشتقة إلى “الكهانة” التي تم تناقلها من الصين. ففي عهد أسرة تانغ في الصين كانت يوجد كهانة تُدعى “سينفوتاكو”. حيث كان يتم تعليق جسم من البرونز يشبه شكل الجرس يُدعى “فويو” في الشمال والجنوب والغرب من بستان الخيزران. وقد كان يُستعمل للتنبؤ بحدوث الأشياء الجيدة والسيئة من خلال اتجاه الرياح وحدة الرنين الذي يصدره، فيتم اتخاذ العديد من القرارت بناءً على التنبؤ.
ويُقال أنه قد وصل هذا الجرس القديم مع البوذية من الصين إلى اليابان خلال فترة نارا (710 م -794 م). وفي ذلك الوقت كان يُعتقد أن الرياح القوية تحمل معها الكوارث مثل الأوبئة والأرواح الشريرة وتُنذر بحدوث شيء سيء، ولذلك تم استعمال هذه الأجراس المصنوعة من البرونز على الزوايا الأربعة في المعابد والأضرحة في اليابان.
ونظراً لأن تلك الأجراس كانت مصنوعة من البرونز فلم يكن صوت الرنين الذي تنتجه خفيف وهادئ كالذي نعرفه اليوم، وإنما كان الصوت ثقيلاً وعالياً تزداد قوته كلما ارتفعت قوة الرياح فينبه الناس إذا كانت رياح خفيفة أو قوية توحي بالخير أو بالكوارث. كما كانت تلك الأجراس تنشر الشعور بالقدسية بصوتها وشكلها المميز.
وخلال فترة هييان (794-1185 م)، أصبح الأرستقراطيون وأصحاب الطبقات العالية يستعملون تلك الأجراس على الشرفة كتعويذة لدرء الشر، ويبدو أن اسم “فورين” أجراس الرياح قد ظهر منذ ذلك الوقت.
في فترة إيدو ظهرت أجراس رياح زجاجية
في فترة إيدو (1603-1868 م) وصلت إلى اليابان ثقافة الزجاج من الغرب فبدأ تصنيع أجراس الرياح من الزجاج. ومع ذلك، في ذلك الوقت كانت المادة الخام للزجاج ذات قيمة عالية وكان هناك عدد قليل من الحرفيين الذين يستعملون الزجاج، ولذلك كانت القطعة الفاخرة تُكلف حوالي 2 إلى 3 ملايين ين بالسعر الحديث.
ومع مرور الوقت وانتشار الزجاج ورخص سعره، أصبحت أجراس الرياح في متناول عامة الناس، وبدأوا في تعليقها على شرفة المنزل للاستمتاع بشكلها اللطيف وصوت رنينها الهادئ. وبما أن الاتجاه الجنوبي الغربي كان يُعتبر “بوابة الشيطان الخلفية” بمعنى أنه اتجاه ينذر بالسوء، فكانتُ تُعتبر أجراس الرياح التي تُعلق في ذلك الاتجاه كتعويذة لدرء الشر.
كمان كان يتم تعليق أجراس الرياح بشكل خاص في الصيف، وذلك لأنه خلال فصل الصيف كانت تنتشر الأوبئة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية. فكانت أجراس الرياح مثل تميمة تحمي المنزل من الأمراض والشر. ويبدو أن انتشار اللون الأحمر من أجراس الرياح يعود لسبب أن الأحمر هو لون التميمة في اليابان.
وفي وقتنا الحاضر بعيداً عن الأهداف القديمة من استعمالات أجراس الرياح أصبحت تُستعمل بكثرة في الصيف لتصبح تقليد ورمز لصيف اليابان. حيث تستمتع الناس ببساطة بشكل أجراس الرياح المتعددة واللطيفة وبصوتها الجميل خلال أيام الصيف الحارة.
الغرض من الورق في أجراس الرياح
تحتوي أجراس الرياح على قطعة من الورق معلقة بحبل مرتبط بمركز جسم الجرس. وكما قُلتُ سابقاً يوجد قطعة تُغلف الحبل أو مُرتبطة به ولها عدة أشكال وهي مصدر الصوت الذي ينتج عند ارتطامها بمجسم الجرس، ويمكنكم ملاحظة الأجزاء من خلال الصور.
وهنا تكمن أهمية الورقة في أنه عندما تهب الرياح تهتز الورقة ليتحرك معها الحبل والقطعة الصغيرة المرتبطة به، لترتطم بالمجسم فينتج صوت رنين ونغمة متذبذبة يختلف حدتها حسب قوة الرياح، فبفضل الورقة يصدر صوت رقيق وهادئ يقع الجميع في حبه.
كما يتم استعمال الورق لتعزيز الشعور بنسيم الصيف البارد، فعندما تتحرك الورقة من النسيم الخفيف فهنا توحي بوجود رياح ونسمات قد تكون خفيفة أو شديدة حسب قوة تحركها. ومعرفة وجود رياح أثناء مشاهدة أجراس الرياح هو سر الشعور بالبرودة حتى في الأيام الحارة والرطبة في الصيف الياباني.
خاصةً أنه يوجد أنماط وألوان وأشكال كثيرة للورق وجميعها تصاميم وأشكال منعشة وجميلة توحي بالانتعاش.
كيف تُصنع أجراس الرياح؟
يتم استعمال تقنيات صياغة الزجاج التقليدية لصنع الشكل الأساسي لجرس الرياح الزجاجي. أولاً يتم نفخ الزجاج المسخن في حجم حلوى كبيرة، وبعد تجميع الزجاج المذاب عن طريق تدويره يتم تشكيل الزجاج في وعاء. وثم يتم عمل ثقب الخيط أثناء نفخ الهواء في مجسم الجرس. وأخيراً يتم رسم الأنماط والرسومات على الجزء الداخلي من الزجاج المبرد ليكتمل بذلك عملية صنع أجراس الرياح.
وفي إيواتي على سبيل المثال، يتم استعمال تقنيات حديد نامبو التقليدية في صنع أجراس رياح نامبو “نامبو فورين” وعلى الرغم من أن مجسم الجرس أثقل من المجسم الزجاجي، إلا أن أصوات الرنين التي تصدرها هذه المجسمات المعدنية لها سحرها الخاص.
وفي توياما يتم صُنع أجراس الرياح ببرونز تاكاوكا، بينما يستعمل سكان أوكيناوا زجاج ريوكيو الشهير لصنع أجراس الرياح الخاصة بهم. ومازال يتم الحفاظ على تقنيات الصنع التقليدية لأجراس الرياح في مناطق مختلفة من اليابان ليتم نقلها جيلاً بعد جيل. ولاسيما أن صنع أجراس الرياح تُعتبر مشروعاً مدرسياً صيفياً، حيث يستمتع الطلاب في استعمال أكواب بلاستيكية لصنع الأجراس بأنفسهم.
“أجراس الرياح في الريف الياباني” تصوير الكاتب ومحرر الموقع makosan_ar@
أجراس الرياح في الحياة العصرية
في يومنا هذا قد يختلف طرق استعمال أجراس الرياح من منطقة لأخرى، لذا سأقدم طرق وأفكار لاستعمال جرس الرياح في الوحدات السكنية التي لا يوجد بها شرفة مناسبة أو التي تكون مزدحمة فيكون جرس الرياح فيها مصدر إزعاج للغير.
- تعليق جرس الرياح في مكان معرض للرياح داخل المنزل
إذا كنتم ترغبون في الاستمتاع بصوت أجراس الرياح أكثر فيفضل وضعها في الداخل. وإذا قمتم بتعليقها في موقع تضرب فيه الرياح المتجهة سواء من النافذة أو من مكيف الهواء أو حتى من المروحة الكهربائية، فيمكنكم بذلك الاستمتاع بصوت رنين هادئ.
- تعليق جرس الرياح عند المدخل
إذا قمتم بتعليق أجراس الرياح عند المدخل إلى جانب الباب، ستستمتعون بصوت رنين أجراس الرياح الذي يرن بهدوء عند اهتزازه مع الرياح التي تمر معكم عند فتح الباب. ففي اللحظة التي تعبرون فيها إلى المنزل ستشعرون بالارتياح بمجرد سماع رنين الجرس الذي ينشر الشعور بالبرودة ويُنسيكم الحرارة في الخارج.
إنها فكرة جميلة أيضاً لاستعمالها في المتاجر للترحيب بالزبائن الذين يأتون في الطقس الحار.
- زينة وديكور داخلي لنشر الشعور بالصيف
يوجد أنماط عديدة لأجراس الرياح وتحظى الأنماط الصيفية مثل الأسماك الذهبية والضفادع والألعاب النارية بشعبية كبيرة في الصيف. ويُفضل تعليقها داخل المنزل على حافة النافذة أو بالقرب منها حيث تنشر هذه الأجراس التي تتألق مع خلفية السماء الزرقاء إحساساً منعشاً بالصيف.
وفي المساء عندما تنخفض الحرارة يمكنكم الاستمتاع بصوت رنين أجراس الرياح من خلال فتح النافذة قليلاً. ومع ذلك في الطوابق العليا من الوحدات السكنية عادةً تكون الرياح أقوى لأنها مرتفعة، وقد تنكسر أجراس الرياح أو قد يصبح صوتها قوياً ومزعجاً.
ولذلك في مثل هذه الحالات من الآمن تعليقها في الداخل في مكان ما، ويُفضل إزالتها قبل النوم من أمام النافذة خاصةً في الليالي التي تنشط فيها الرياح لأن أصوات أجراس الرياح سيسبب القلق وقد يوقظكم.
الخلاصة:
في هذه المقالة تعرفنا معاً على أصل وتاريخ أجراس الرياح وكيف أصبحت ثقافة يابانية ترمز للصيف يستمتع بها الناس. ولاسيما أنها تجذب اهتمام الناس من خارج اليابان حيث تعرف عليها الكثير من خلال الدراما والأنمي، فكما نلاحظ يتم تركيز الضوء عادةً على جمالها وهي تتطاير مع خلفية السماء الزرقاء فتنقل لنا شعور منعش وجميل تجعلنا نقع في حبها.
يمكن شراء أجراس الرياح “فورين” في العديد من الأماكن في اليابان وأيضاً من خلال الإنترنت. أتمنى أن تحصلوا على واحدة جميلة منها يوماً ما، وأتمنى أن المقالة كانت ممتعة وأشكركم على القراءة.