نقدم لكم أشهر أنواع فنون المسرح اليابانية التقليدية!!
منذ قديم الزمان تنوعت وسائل الترفيه في اليابان من موسيقى وقصص وحكايات كانت تُقدم سواء بين العامة أو طبقة المزارعين، ومنها ما كان يُقدم للأشخاص في المكانة العالية مثل الزعماء الإقطاعيين والساموراي. هذه الفنون كانت تعتمد على خيال المؤديين وقدرتهم الإبداعية في تقديم عرض يجذب انتباه الناس سواء أكان عرض موسيقى أو عرض أساطير وحوارات مضحكة ودرامية عن الأخلاق والحياة.
هذه العروض المسرحية بغض النظر عن طريقة الأداء، ساهمت في نقل صورة واضحة عن حياة وعادات اليابانيون في الماضي وحافظت على توارث أساطيرهم وفنونهم الأدبية في مجالات متعددة. أما بالنسبة لطريقة الأداء فكانت تتنوع من رقص وموسيقى تقليدية، واستعمال دمى وأقنعة أو مزيج مذهل من هذه الطرق معاً. نتج عن ذلك فنون مسرح متنوعة أثرت في بعضها البعض، ومع ذلك كل نوع تميز عن غيره بمزايا منفردة.
وفي هذه المقالة سنتعرف على أهم وأشهر الفنون اليابانية المسرحية التقليدية مع تتبع تاريخهم. لنبدأ جولتنا في عالم الثقافة اليابانية!
راكوغو
هو أحد أشكال الفن الياباني التقليدي وفيه يجلس المتحدث أو المؤدي “راكوغوكا” على ركبتيه بوضعية يابانية تقليدية وهو يرتدي اللباس الياباني التقليدي “الكيمونو” في مسرح يُدعى “يوسي” ويمسك بيده مروحة ورقية ومنديل قماشي صغير، يعبر بهم عن أحداث في القصة مثل السير والجري وغيرهم من حركات.
حيث يقوم المؤدي بالتحدث عن قصة مضحكة طويلة ومتشابكة الخيوط. وعادةً تتمحور القصة حول حوار بين شخصيتين أو أكثر. ولكن كيف يقوم الراكوغوكا بجعل الجمهور يتعمقون في عالم القصة جيداً وهو فقط شخص واحد؟
يقوم الراكوغوكا بكل مهاراته المميزة في جذب انتباه الجمهور، من خلال تغيير نبرة صوته وكلامه وإمالة رأسه واستعمال الكثير من تعبيرات الوجه، هذا إلى جانب تحريك المروحة والمنديل حسب اتجاهات القصة وهذا كله من شأنه أن يساعد الجمهور على التمييز بين الشخصيات في القصة وصفاتها والتعمق بها.
وعند الانتهاء من السرد يقوم المؤدي بحيلة تُدعى “أوتشي” وهي عبارة عن مقاطعة متفاجئة لتسلسل السرد في النهاية يقوم بها المؤدي بشكل متناسق وجيد يجعل العرض ناجحاً ومتكاملاً. وهذه النهاية المميزة استعملت في تكوين مصطلح (راكوغو 落語)، فعند تقطيعه نجد أنه يتكون من مقطع (أوتشي 落) ويعني سقوط، ومقطع (غو 語) يعني لغة. وعند قراءة المقطعان معاً يصبح اللفظ “راكوغو” بمعنى الكلمات المتساقطة.
أما بالنسبة لمواضيع وقصص “راكوغوكا”، فهي بشكل عام تنص على إلقاء مواضيع راكوغو مضحكة. كما تشمل إلقاء مواضيع درامية عاطفية وإنسانية ومواضيع موسيقية عن الأشباح وغيرهم.
وكما تتنوع هذه المواضيع من حيث الحداثة والقدم، إذ يوجد حتى الآن محترفين يقدمون راكوغو كلاسيكي كما هو يعود لفترة “إيدو” تناقلوه من أسلافهم المعلمين جيلاً بعد جيل محافظين عليه، وهو يعتمد على الأداء بشكل أساسي.
ومع ذلك هناك الآن موضوعات راكوغو يتم كتابتها من قبل المؤدي نفسه، حيث يعتمد السرد على الحكاية نفسها. هذه المواضيع الحديثة كثير منها يتناول قضايا المجتمع وقضايا العالم العامة بشكل ساخر. وفي نفس الوقت تعلم الجمهور دروساً كثيرة وعبر.
تشاهدون في الصورة التالية المسرح المشهور “شينجوكو سويهيروتيي” على الطراز الياباني التقليدي في طوكيو. حيث مازال ليومنا هذا الكثير من المسارح تستقبل عروض راكوغو حية، إذ يوجد إقبال كبير من اليابانيين عليه.
وإلى جانب مسرح طوكيو يوجد أيضاً مسرح “سوزوموتو” في “أوينو”، ومسرح “إيكيبوكورو” ومسرح قاعة “أساكوسا”، ومسرح “تينمان تينجين هانجوتيي” في “أوساكا”، جميعهم يقدمون عروض راكوغو متنوعة.
يعود تاريخ راكوغو من نهاية فترة “موروماتشي” إلى فترة “أزوتشي موموياما”، حيث كانت بداية راكوغو عبارة عن أشخاص يُطلق عليهم اسم “أوتوجي شو” كانوا يخدمون “الدايميو” أي الزعماء الإقطاعيين في فترة “سينجوكو” ويلقون الحكايات.
من بينهم كان هناك كاهن من طائفة “جودو” كان يلقي حكايات فكاهية أمام الأمير المحارب “تويوتومي هيديوشي” وقد كانت تسعده كثيراً.
وبعدها في فترة إيدو، أصبح بالإمكان للناس العامة الاستمتاع بهذه الحكايات بدفع مبلغ من المال، وقد لاقت رواجاً في أوساكا وكيوتو وتدريجياً تطور هذا النمط من الفن حتى ظهرت مسارح “يوسي”. أما في منتصف فترة مييجي (1868-1912م) بدأ استخدام تعبير راكوغو لأول مرة وأصبح الاسم شائعاً منذ ذلك الوقت.
في الواقع إن اسم المؤدي “راكوغوكا” كان له اسم آخر في الماضي وهو “هاناشيكا”. كما يوجد مستويات ودرجات لمؤدي فن راكوغو أولهم “مي ناراي” و”زينزا” وهما أدنى مستوى يليهما “فوتاتسومي” و”شين أوتشي”. أما عند الوصول إلى مستوى “شين أوتشي” يكون المؤدي محترف وأصبح بإمكانه تدريب فنانين مبتدئين في فن الراكوغو.
كما يُقدم الراكوغو بلغات أخرى بجانب اللغة اليابانية، فقد عمل اليابانيون بجهد على الحفاظ عليه وعرضه على الأجانب، فانتقل هذا الفن إلى الخارج فأصبحت القصص الهزلية تلقى باللغة الانجليزية أيضاً. وقد لاقى فعلاً رواجاً بين الأجانب وبعضهم قرر أن يتعلم هذا الفن وأصبحوا محترفين به.
كابوكي
كابوكي وهو أحد الفنون اليابانية التقليدية الكلاسيكية المسرحية التي تعود لفترة إيدو، وقد كانت تشتهر بشكل خاص بين الناس العامة. وأهم ما يميز هذا الفن المسرحي أن الممثلين يتحدثون بطريقة ولهجة قديمة، ويقومون بتلحين الحوار بطريقة مميزة بناءً على نوع الشخصية والموقف.
في الماضي قامت النساء بالتمثيل في مسرحيات كابوكي، إلا أنّه بعد فترة من الزمن تم منع النساء من المشاركة، وبالتالي اقتصرت العروض المسرحية على الذكور فقط وهذا التقليد بقي حتى يومنا هذا. حيث يقوم رجال بتمثيل دور النساء ووضع مساحيق التجميل لجميع الأدوار بطريقة مميزة تتركز في استعمال اللون الأبيض للبشرة واللون الأحمر للعيون ورسم خطوط حول الوجه.
ويُطلق على الممثلين الذكور المتخصّصين في لعب الأدوار النسائية اسم “أونّا غاتا”، كما يوجد دوران مشهوران وهما “أراغوتو” ويعني الأسلوب القاسي و”واغوتو” ويعني الأسلوب الليّن.
أما بالنسبة لمواضيع مسرحيات كابوكي، فهي تدور عادةً حول النزاع الأخلاقي في العلاقات مع القلب، وتدور حول أحداث تاريخية وأساطير وغيرها. كما يكون المسرح مجهز بلوحات ورسومات وأبواب سحرية يمكن للممثلين من خلالها الظهور والاختفاء، وأحياناً أدوات تمثل بعض المظاهر مثل أزهار ساكورا أو أدوات مطبخ وغيرهم.
وبالتأكيد تُعد الآلات الموسيقية التقليدية مهمة في هذا النوع من المسارح، حيث يتم العزف عليها عند دخول الشخصيات وأثناء الحوار لإضفاء أجواء حماسية أكثر. كما يوجد في مسرح كابوكي جسر مشاة يُعرف باسم “هاناميتشي” مُمتد حتى يصل الجمهور.
وبشكل عام يتميز مسرح كابوكي بموسيقى خاصة وأزياء تقليدية مصممة بطريقة مميزة. كما يقوم الممثل بأداء وقفة مميزة تتناسب مع دوره في المسرحية وستلاحظون ذلك بشكل واضح عند مشاهدته. فمثلاً إذا كانت الشخصية شريرة ستجدونه يقوم بحركات مفاجئة توحي بالهيبة أو قد يقوم بالدوران ويساعده أحد في الوراء برفع الملابس الطويلة والواسعة لتصبح وكأنها منفوشة ومرتفعة تحيط بالممثل. أما في دور المرأة يقوم الممثل مثلاً بخفض الرأس قليلاً ووضع اليد عند الفم مع التمسك بطرف اللباس التقليدي لتغطية الفم وغيرها من حركات متقنة للأدوار.
لنرجع إلى تاريخ مسرح كابوكي قليلاً، يُقال أن الفضل يعود لسيدة تُدعى “إزومو نو أوكوني” كانت خادمة في معبد “إزومو تايشا”، حيث قامت بتقديم رقصة تُدعى “ياياكو أودوري” عام 1603م. وقد سُمي هذا الفن فيما بعد باسم “كابوكي أودوري” منذ ذلك الوقت انتشرت مسارح لتقديم رقصات كابوكي التي تم نقلها من السيدة أوكوني، وقد تطورت وتعرضت لكثير من التغييرات باستمرار وفقًا لثقافة تلك الفترة وأذواق الجمهور.
ومن هذه التغييرات أنه مع ازدياد شعبية رقصة كابوكي بدأت العديد من المجموعات في تقليدها وعرض رقصات مماثلة. خاصةً من قبل العديد من النساء وكان هذا له دور كبير في جذب الناس لمشاهدتهم فكانت الأماكن دائماً مزدحمة. فحدثت أحياناً مشاكل بشأن المظهر المحبوب والفاتن، فقامت الحكومة بمنع النساء من المشاركة في مسرح كابوكي لمنع حدوث مشاكل أخلاقية وللحفاظ عليهن وعلى مكانتهن الراقية والمحترمة.
وهكذا قام الرجال البالغون الكبار بلعب دور النساء كما شرحتُ فيما سبق. وقد تم عرض تاريخ وتغيرات وتطور مسرح كابوكي خلال فترة إيدو في مسرحيات في طوكيو بشكل متسلسل ومثالي.
تمثال يخلد ذكرى “إزومو نو أوكوني”
وبعد فترة مييجي بعد دخول الثقافة الغربية على اليابان تأثر المسرح وظهرت فيه تغيرات بالنمط الغربي وكان هذا له تأثير على الكابوكي. وفي عام 1887م قام الجيل التاسع “إيتشيكاوا دانجيورو” وغيرهم بأداء “تينران كابوكي” أمام الإمبراطور والإمبراطورة فازدادت مكانة الكابوكي واشتهرت إذ كانت تُعتبر في الماضي ذو مستوى منخفض للعامة.
ونتيجة لذلك، في عام 1889م تم بناء مسرح “كابوكيزا” في طوكيو وكان موقعه في فترات عرض الكابوكي يزدحم بالجمهور، وهو مازال حتى يومنا هذا مسرح مشهور لتقديم عروض كابوكي متنوعة في فترات عديدة، ولاسيما أنه مازال محافظ على طرازه القديم وهو مزين برسومات ولوحات تعرض تاريخ فن الكابوكي منذ القدم.
تم تصنيف فن الكابوكي كممتلكات ثقافية غير ملموسة وطنية مهمة في عام 1965م، وتم تسجيلها كتراث ثقافي غير مادي لليونسكو في عام 2009م. وأصبح الكابوكي معروفًا في جميع أنحاء العالم كفن أداء تقليدي نموذجي في اليابان هذا إلى جانب جماله الأسلوبي الخاص.
هناك الآن مسارح متعددة لفن الكابوكي منها كما ذكرتُ سابقاً مسرح “كابوكيزا” في طوكيو، حيث يمكنكم إيجاده بكل سهولة لشكله المتميز. كما يوجد مسرح “شيمباشي اينبوجو” وهو قريب من مسرح كابوكيزا في طوكيو.
أما مسرح “أساكوسا” يقع في منطقة أساكوكسا. أما المسرح التالي في الصورة اسمه “أوتشيكوزا” تم بناؤه من قبل متطوعين من بلدة “أوشيكو” عام 1916م للاحتفال بعهد الإمبراطور “تايشو”، وبقي ليومنا يقدم فنون يابانية تقليدية مميزة مثل راكوغو وكابوكي.
مسرح الدمى “نينغيو جوروري”
هو فن من فنون المسرح اليابانية التقليدية يجمع بين ثلاثة فنون يابانية تقليدية وهي رواية القصص والموسيقى وعروض الدمى. إذ يُعد مزيج ساحر ويصنف جنبًا إلى جنب مع فن “نو” وكابوكي كواحد من أعظم فنون الأداء في اليابان. وعند تفكيك المصطلح (نينغيو جوروري 人形浄瑠璃)، نجد أنه مكون من (نينغيو 人形) بمعنى دمية، وكلمة (جوروري 浄瑠璃) ويعني السرد.
بالنسبة لأداء فن نينغيو جوروري، فإنه يتطلب ثلاثة مؤدين من البشر مهمين وهم” الراوي، العازف، مُحرك الدمى” وذلك لإعطاء إحساس بأن الدمى الخشبية حية في مكان وزمان محدد يتم توضحيهم من خلال القصة والعزف والتحدث.
دور الراوي واسمه “تايو” في المسرح هو تقديم القصة الشاملة تدريجياً بالتزامن مع حركات الدمى، كما يقوم بالتعبير وبالتحدث عن كل دمية، بينما يجلس على الجانب الأيمن من المسرح، حتى لا يلفت انتباه الجمهور إليه ويوجه انتباههم إلى الدمى. ولكن إن ألقيتم نظرة سريعة خلال الأداء سترونه يتحدث بمشاعر عميقة من خلال تلحين صوته وتغيير نبرته وهذا يظهر على ملامحه.
أما المسؤول عن تحريك الدمى هم ثلاثة أشخاص لكل دمية. ويكونون مغطيين بملابس سوداء حتى لا يشتتوا انتباه الجمهور، ولكن هناك حالات قد يظهرون فيها وجوههم في مشاهد مهمة بشكل خاص. أما بالنسبة للمسؤول عن الموسيقى، يقوم عازفو أداة “شاميسِن” بتقديمها إذ تلعب دور مهم في خلق أجواء حماسية وعاطفية أكثر تصل لقلوب الجمهور.
ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات في هذا الفن الياباني التقليدي، حيث تُعتبر جزيرة “أواجي” في منطقة كانساي هي مسقط رأس فن “نينغيو جوروري”. ويقال أن كلمة “جوروري” تعود جذورها في الواقع إلى قصة تُدعى الأميرة جوروري والتي عادةً ما يُقدمها رواة القصص. وبمرور الوقت بدأ مصطلح جوروري يشير إلى النوع الكامل من الرواية الملحنة.
ومن منطقة “كينكي” انتشر هذا الفن إلى جميع أنحاء اليابان، إذ سافرت أكثر من 40 فرقة دمى من جزيرة أواجي في القرن الثامن عشر إلى مناطق مختلفة في اليابان لتسلية الناس في طريقهم. مما ساهم في تناقل هذا الفن ومهارات تقديمه من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا. حيث حافظ هذا الفن على تقاليده ولا يزال يُقدم نفس الأساطير والقصص والحكايات من فترة إيدو.
ونتيجة لذلك، قد يكون فهم الأداء صعبًا بعض الشيء، لأن اللغة التي يتم التحدث بها أثناء المسرحية هي لغة يابانية قديمة أي أن هناك لهجات قديمة وكلمات لا تُستعمل هذه الأيام. فتقوم غالبية المسارح عادةً بتقديم أدلة ورقية وأحيانًا سماعات أذن تقدم تفسيرات إضافية لكل من الحبكة والمصطلحات التي قد لا يفهمها الناس. حتى أن بعض الأماكن تحتوي على شاشات تعرض ترجمات للمسرحية بأكملها، لكن هذا بالطبع يختلف حسب الموقع ونوع المسرحية.
بالتأكيد يمكن الاستمتاع بعروض الدمى التقليدية في معظم المدن الكبرى في جميع أنحاء اليابان، وخاصةً في طوكيو وأوساكا. كما يتم عرض الفن في قاعات ومسارح في المناطق الريفية خارج المدن الكبيرة. من هذه الأماكن مسرح “بونراكو” الوطني الواقع في “تشوأو” بأوساكا.
الرقص الياباني التقليدي “نيهون بويو”
وهو نوع من أنواع الرقص الياباني التقليدي. ولكن في البداية لنقسم المصطلح وهو على النحو التالي، كلمة بويو (舞踊) تتكون من كلمتين وهما (ماي 舞) وتعني رقص بالدوران، وكلمة (أودوري 踊) تعني الرقص مع التحرك. وهذا الرقص يشير إلى فن الأداء الياباني الكلاسيكي الذي قد يكون رقصة ممزوجة أحيانًا بأداء مسرحي وعادةً تقوم بأدائه فتيات الغيشا و”المايكو”.
وقد بدأت تقاليد وحركات هذا الفن بالتطور في فترة إيدو. إذ يُعتبر فن يضم حركات ورقصات متعددة من فنون يابانية تقليدية تطورت عبر الزمن ليتفرد على المسرح بمزيج مميز ومرح يخلق أجواء ممتعة، على عكس غيره من الرقصات التقليدية الهادئة.
عندما نكشف عن تاريخ الرقص الياباني، نجد أنه قديم جدًا ويعود إلى ما قبل 1300 عام. حيث يمكننا بالفعل العثور على وصف جيد في كتاب، يمكن القول أنه النموذج الأولي للرقص الياباني في “كوجيكي” وهو أقدم كتاب تاريخ في اليابان تم كتابته عام 712 م.
ومن أساطير بداية رقصة “يوبو” يُقال إن آلهة تُدعى “أمِنو أوزومِنو ميكوتو” كانت ترتدي اللباس التقليدي الكيمونو المزين وعلى رأسها زينة بالأعشاب، فأمسكت مجموعة من أوراق الخيزران في يدها ووقفت على برميل ماء خشبي، فأصبحت تحرك قدميها بطريقة غير معتادة أي بطريقة أشبه بالرقص، فنست مكانتها وأصبحت ترقص بحيوية.
ولذلك يتم التعبير عن الرقصة بالتصفيق بالقدم، وهذا ما يدل على أنها رقصة يابانية قديمة. ومع ذلك هذه مجرد نقطة البداية، فهناك مراحل مر بها رقص “بويو” تطور بها بطرق مختلفة على مر السنين، فقد تأثر برقصة “إيزومونو أوكوني” التي أدتها عام 1609م والتي استمرت في التطور لتصبح فن مسرحي يُدعى كابوكي، وقد كان رقص “بويو” جزءاً منه ولكن مع تطور مسرح كابوكي انفرد رقص بويو عنه.
وقد اكتسب رقص “بويو” حركات جديدة من الفن المسرحي نو، حيث كان الرقص الدوراني “ماي” جزءاً مهماً فيه، هذا إلى جانب الآلات الموسيقية التقليدية، كلاهما انتقلا إلى رقص “بويو”. كما أنه اكتسب حركات من الرقص الشعبي مثل القفز والحركات الحيوية.
وبالتأكيد كان لدخول الثقافة الغربية إلى اليابان في فترة مييجي تأثير أيضاً في رقص بويو، ليكتمل هذا النوع من الرقص ويستمر ليومنا هذا.
تم إنشاء مدارس للرقص الياباني التقليدي واستمرت حتى يومنا هذا، كما يوجد الآن العديد من المدارس الجديدة، منها مدرسة هاناياغي ريو(Hanayagi-ryu) وهي أكبر مدرسة فيهم جميعاً، ومدرسة فوجيما ريو (Fujima-ryu)، ومدرسة نيشيكاوا ريو(Nishikawa-ryu)، ومدرسة واكاياغي (Wakayagi-ryu)، ومدرسة باندو ريو(Bando-ryu) وغيرهم الكثير. وجميعهم ورثوا وحافظوا على التقاليد ووسعوا نطاقهم. ففي عالم الرقص الياباني الحالي، ينشط حوالي 5000 راقص محترف ليلًا ونهارًا، حيث تُقام عروض الرقص الياباني في أماكن مختلفة على مستوى البلاد.
نوغاكو
فن مسرحي ياباني تقليدي يتألف من المسرح الغنائي “نو” والمسرح المضحك “كيوجين”، ويتم أداء كلا النوعين من المسرح معًا. فبشكل عام يعتمد مسرح نوغاكو على قصص من الأدب الياباني التقليدي، وفيه يتم تأدية الرقص ولبس الأقنعة والملابس وأدوات أخرى مثل الأدوات الموسيقية التقليدية.
في البداية لنشرح المسرح الغنائي “نو”: وفيه تتجسّد العواطف من خلال تعابير أسلوبية متعارف عليها، حيث يتم تأدية الشخصيات بارتداء أقنعة. وغالبًا ما يكون هذا النوع من الفن مأساويًا، ويعرض الأساطير التاريخية. ولذلك ستكون الشخصيات في أغلب الأوقات كائنات خارقة للطبيعة تتخذ شكلاً بشرياً تُقدم لنا قصتها وحكايتها مع البشر. وتتميز الأقنعة باستعمالها المتعدد ولها ملامح حسب الدور عادةً تؤدي أدوار الأشباح والنساء والأطفال والبالغين والخ.
ولكن قد يكون من الصعب فهم الشخصية جيداً من بداية الحكاية حتى آخرها بقناع ملامحه لا تتغير، ولذلك هناك تقنية مميزة يتميز بها هذا النوع من الفن. ففي المسرح أثناء الأداء يتم استعمال إضاءة تتغير زاويتها حسب الموقف والمشاعر التي تمر بها الشخصية، وهذا له تأثير كبير في نقل مشاعر الشخصية للجمهور. إنه فعلاً فن عميق!
كما يوجد حوالي 250 قصة في مسرح نو، يتم تقديمها جيداً باستعمال الأغاني والرقصات والموسيقى. حيث يوجد أشخاص يُطلق عليهم “جيوتاي” يقدمون الأغنية مع الشخصية الرئيسية.
أمّا فن كيوجين، وهو عبارة عن مسرحية هزلية عن الحياة اليومية مشتقة هي وفن “نو” من مسرحيات “سانغاكو” الفكاهية. وهو فن يستعمل الأقنعة أيضاً، ولكن ليس بشكل أساسي إذ تقوم الكثير من الشخصيات بتأدية الأدوار بدون قناع وتُقدم الحكايات الفكاهية بالحوارات. واللغة التي يتم استعمالها هي اللغة اليابانية القديمة تُقدم وصفاً حياً وواقعياً لحياة الناس العاديين في الفترة بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر.
صورة قريبة توضح نوع من الأقنعة
أما بالنسبة لتاريخ هذا الفن، يُقال أن نوغاكو في الماضي كان يُطلق عليه “ساروغاكو” حيث كان يوجد رقصة تُسمى “دينغاكو” كان يؤديها المزارعون عند زراعة الأرز في المعابد والأضرحة. وفي فترة “نارا” قُدم فن ساروغاكو بفنون مختلفة مثل الألعاب البهلوانية والرقص باسم “سانغاكو”. وكان فناني الأداء منتشرين في المعابد والأضرحة في جميع أنحاء اليابان لتقديم عروضهم في المهرجانات والمناسبات الأخرى.
وبعد ذلك، يُقال إن الوالد والأبن “كان أمي” و”زي أمي” خلال فترة موروماتشي حققا نجاحًا كبيرًا بأداء هذه العروض. وقد لاقى هذا الفن دعمًا هائلاً من حكومة “الشوغون” في ذلك الوقت، وبهذا ارتفع “ساروغاكو” إلى عالم الفن وتم تطويره حتى وصل إلى شكله الحالي الذي استمر ليومنا هذا ليصبح باسم “نوغاكو”. ويُشكل نوغاكو اليوم الشكل الأساسي للمسرح الياباني وقد وضع أثره في مسرح الدمى وفي مسرح كابوكي أيضاً.
يوجد الآن العديد من المسارح التي تقدم فن نوغاكو في عدة مناطق، مثل مسرح “أوتسوكي نوغاكودو” في أوساكا، ومسرح نوغاكو الواقع في ضريح “تشوسونجي هاكوسان” في محافظة “إيواتي” تشاهدونه في الصورة، ويتميز المسرح بوجود ممر يربطه بغرفة الكواليس والملابس كما تشاهدون.
الخلاصة:
لقد تعرفتم بشكل عام عن فنون المسرح الياباني التقليدي وكيفية تطوره منذ نشأته وكيف حافظت اليابان عليه حتى يومنا هذا ببناء المسارح والمدارس التعليمية له. في الواقع أكثر شيء يجذب في المسارح اليابانية التقليدية هو كيفية تعمق الممثلين في تأدي العرض وكيفية تعمقهم بتأدية دور الشخصية وكأنهم هي فعلاً، والملفت للانتباه أيضاً هو لباسهم التقليدي، ففي كل مسرح وحسب نوع القصة تتغير الملابس التقليدية الواسعة والعريضة بألوان مزخرفة وجميلة للغاية.
يمكنكم مشاهدة بعض الفيديوهات عن هذه المسارح على الانترنت. أما عند زيارتكم لليابان يمكنكم حضور أحد هذه المسارح عن طريق تفقد جدول العروض في المسارح الموجودة في المحافظة التي تودون زيارتها. أعتقد أن مشاهدتهم سيزيدكم تعمق بالثقافة اليابانية وستضح لكم صور عفوية أكثر عن حياة العامة في الماضي وعلى كيفية استمتاع اليابانيون بهذا الفن الذي كان يقدم كما هو، ستشعرون وكأنكم عدتم فعلاً إلى فترة إيدو أو قبلها. وأشكركم على القراءة.