تقاليد وثقافة اليابان في الصيف، أسطورة التاناباتا، تاريخها وفعالياتها
تشتهر اليابان بمهرجاناتها الصيفية الكثيرة والممتعة، ودائماً ما نعلم بوجود العديد من الأساطير التي تشتهر بها اليابان وتحتفل بها حتى يومنا هذا محافظةً على عاداتها وتقاليدها. فدائماً ما نجد أن الطبيعة والأحلام والنجوم ترتبط بأساطير اليابان، حيث يوجد العديد من هذه المهرجانات التي ترتبط بهذه الأساطير والتي تنشر السعادة والفرحة في قلوب الجميع.
ومن هذه المهرجانات الشائعة مهرجان التاناباتا والذي يتميز بقصته العاطفية التي دخلت قلوب الناس في العالم بأسره. ما هي قصة هذا المهرجان؟ ولماذا يحتفل به اليابانيون كل عام؟ في هذه المقالة سنتعرف على الأسطورة الغامضة وراء هذا المهرجان وأحداثه الممتعة، لنبدأ في رحلتنا.
ما هو التاناباتا ؟
التاناباتا (七夕): ويعني مهرجان النجوم وهو مهرجان يقام سنوياً مستمداً من مهرجان النجوم الصيني، ومعناه الحرفي (ليلة السبعات). وفيه يلتقي الراعي “هيكوبوشي” نجم النسر بمحبوبته الغازلة “أوريهيمي” النجمة فيغا في درب التبانة، والتي هي عبارة عن نهر شاسع من النجوم التي تفصل بين هذين الحبيبين ولا تسمح لهما بالالتقاء إلا مرة واحدة فقط في السنة في السابع من الشهر القمري.
في السابع من شهر يوليو من كل عام، يلتقي النجمان العاشقان ببعضهما البعض فيحتفل اليابانيون بهذا اللقاء السعيد. فقد أصبح هذا المهرجان عيداً وطنياً لأمة بأكملها، فلقاء النجمان في هذا اليوم ينشر الأمل والسعادة في قلوب الجميع. إنه عيد الأمل حيث توزع الأحلام والأمنيات وتتحقق، حيث يقوم اليابانيون بكتابة أمنياتهم على قصاصات ملونة ويعلقونها على عيدان الخيزران المُزين آملين أن تتحقق أمنياتهم.
وفي الماضي كان يقوم اليابانيون بكتابة أمنياتهم مع عيدان الخيزران ويضعونها في النهر اعتقاداً منهم بأن هذه الوسيلة تضمن تحقيق الأمنيات، ولكن مع مرور الزمن وبسبب الاعتبارات البيئية لم تعد تقام تلك الطقوس على الرغم من متعتها.
ويحظى هذا المهرجان بمشاركة واسعة من جميع الناس من مختلف الأعمار، خاصةً الأطفال الذين ينتظرون هذا المهرجان بفارغ الصبر حتى يكتبوا أمنياتهم ويعلقونها مثل ” أتمنى أن أطير في السماء”، ” أتمنى أن أصبح لاعب محترف” وغيرها من الأمنيات اللامتناهية. ويحظى هذا المهرجان بفعالياته المختلفة من منطقة لأخرى ومن محافظة لأخرى.
تاريخ وأسطورة التاناباتا
يرجع تاريخ مهرجان التاناباتا إلى أكثر من ألف عام، بينما يرجع أصله إلى أسطورة صينية قديمة والتي وصلت إلى اليابان في عصر نارا عام (٧١٠-٧٩٤)، ثم امتزجت هذه الأسطورة مع الثقافة اليابانية بطقوس تُعرف باسم ”كيكوودين“ وهي تعني الصلاة والدعاء حتى تتقن الفتيات الأشغال اليدوية وأعمال الحياكة متخذين بطلة الأسطورة قدوة لهم.
وتقول الأسطورة أنه كان يوجد راعي بقر يُدعى “هيكوبوشي” أحب غازلة النسيج “أوريهيمي” وقد كانت أوريهيمي غازلة متقنة لعملها وتبدع في الأشغال اليدوية. وقد كان الحبيبان نشيطان جداً ومخلصان في عملهما، ولكنهما بعد أن تزوجا تكاسلا عن عملهما بسبب حبهما وعدم رغبتهما في الابتعاد عن بعضهما ولو قليلاً. لقد كانا سعيدين جداً يلهوان كل يوم حتى علِم والد الغازلة “أوريهيمي” والذي يمثل إله الخلق لهما بتكاسُلهما عن العمل. فغضب والد الغازلة غضباً شديداً وقرر فصلهما بوضع نهر بينهما حتى يمنعهم من رؤية بعضهما البعض.
حزن الزوجان حزناً شديداً وبكت الغازلة كثيراً لأبيها بسبب اشتياقها لزوجها “هيكوبوشي”. فسمح لها أبيها بمقابلته مرة واحدة في السنة، فقط بشرط أن يعمل كلاهما بجد كما كانا في السابق. وهكذا بدأ كلاً منهما العمل بجد وإخلاص حتى ليلة السابع من الشهر السابع من كل عام.
ولكن لم تستطع الغازلة عبور النهر في تلك الليلة مهما حاولت، لذا قامت طيور العقعق بصنع بساط من أجنحتها ليحملوا الغازلة إلى زوجها في هذه الليلة من كل عام. لكن إذا سقطت الأمطار أو كانت السماء ملبدة بالغيوم، سيكون من الصعب الطيران ولن تستطيع الغازلة مقابلة زوجها الراعي. لذلك يتمنى اليابانيون في هذا اليوم أن تكون السماء صافية حتى تستطيع الغازلة الاجتماع بزوجها، وهكذا ستتحقق الأمنيات المكتوبة في القصاصات.
يرمز للغازلة “أوريهيمي” بالنجمة فيغا وللراعي “هيكوبوشي” بنجم النسر الطائر وللنهر بدرب التبانة أو الطريق اللبني.
فعاليات مهرجان التاناباتا
يقام مهرجان التاناباتا في اليابان في أوقات مختلفة قليلاً، حيث تم استخدام التقويم الشمسي الميلادي في اليابان في عصر ميجي عام ١٨٧٣، ولكن ما زال هناك بعض المناطق التي تقيم المناسبات التقليدية اعتمادًا على التقويم القمري الذي يناسب الموسم والفصل. مثلاً تعد سنداي من المدن التي تحتفل بمهرجان التاناباتا في السادس والثامن من أغسطس/آب، ولكن تقام نفس الأجواء الاحتفالية بشكل جميل.
وفي هذا اليوم تتحول شوارع اليابان إلى معارض فنية وملونة للتعرف على أمنيات الألاف من اليابانيين، الذين يكتبون أمنياتهم على قصاصات ملونة مستطيلة تسمى ”تانزاكو“ ويتم تعليقها على عيدان الخيزران. والسبب في اختيار الخيزران يرجع لاعتقاد اليابانيين بأن الخيزران باستقامة ساقه، وصوت الاحتكاك الذي يصدر من أوراق الأمنيات عندما تمر نسمات الرياح في الأعلى، سوف يساهم في إيصال أمنياتهم إلى السماء.
يشمل الاحتفال بمهرجان التاناباتا العديد من العروض والأنشطة الشعبية والفنية التي تختلف أنواعها حسب المنطقة. وأهمها إضاءة الشموع في الليل والتي يشارك في إضاءتها جميع السكان والسُياح معاً، ويكون المشهد دافئاً جداً وكأن السلام عم في قلوب الجميع. هذا إلى جانب إقامة عروض الألعاب النارية الكبيرة في السماء وأنشطة لصناعة دمى كوكيشي والأوريغامي.
كما ترتدي الفتيات في هذا اليوم اللباس الياباني التقليدي اليوكاتا بألوانه الزاهية ويتنزهن تحت زينة قصاصات التاناباتا الهائلة، والتي تكون على شكل كرة ضخمة مصنوعة من الورق يتدلى منها قصاصات طويلة جداً على علو منخفض يتيح لك ملامستها والمشي من خلالها.
ومن الأحداث الممتعة في هذا المهرجان هي عروض الرقص حيث تمر في الشوارع مجموعات بالتتالي مرتدية ملابس تقليدية وعصرية منوعة، وتقوم بالرقص على ألحان الموسيقى اليابانية ومنها من يرقص على موسيقى عصرية. ولاسيما عروض الكوسبلاي وتعني “ارتداء الشخص لباس شخصيات الأنمي ويضع زينتها حتى يشبهها تماماً”. ويشارك في هذه العروض عدد كبير من الناس من مختلف المناطق، إنه حدث ممتع للغاية! بالتأكيد يمكنك المشاركة في الرقص وأخذ الصور مع شخصياتك المفضلة.
ومن أشهر الأكلات الي يكثر تناولها في هذا المهرجان هي “السومين” وهي عبارة عن شعرية رفيعة جداً مثل الخيط، وتشبه خيط الغزل الذي تغزله الغازلة “أوريهيمي”و يشبّه أيضاً بنهر درب التبانة، وتزين السومين بقطع من البامية على شكل نجوم وهي من الأكلات التي يحبها الأطفال. بالطبع لا ننسى أكشاك الطعام والحلويات التقليدية وبالذات آيس كريم الكاكيغوري بنكهاته المنعشة.
ملخص هذه المقالة
تتميز اليابان بمهرجاناتها المنوعة وأعتقد أن مهرجان التاناباتا هو مهرجان مميز بأسطورته العريقة، ويستمتع الجميع من كبار وصغار بسماعها مهما تكررت. أعتقد أنه يوجد درس وراء هذه الأسطورة وهو أن لا نتكاسل عن أعمالنا، وأن نعمل على تنظيم وقتنا بشكل جيد حتى ننجزعملنا ونستطيع لقاء أحبتنا والاستمتاع معهم. والدرس الآخر هو الإخلاص والوفاء سواء في أعمالنا أو في علاقاتنا، فالراعي والغازلة لم يتخليا عن بعضهما البعض، بل بذلوا جهدهم كل يوم فقط من أجل الاجتماع مرة واحدة في السنة.
أما إذا أردت التحدث عن متعة هذا المهرجان أعتقد أني لن أنتهي من شدة متعة أنشطته وفعالياته الكثيرة، أجمل ما في الأمر هو مشاهدة جميع من في المدينة يشاركون في الرقص معاً كباراً وصغاراً، حيث يقوم الجميع بأداء نفس الحركات على وتيرة واحدة وكأنهم تدربوا لفترات طويلة، ستجد نفسك تضحك معهم وترقص معهم بدون تخطيط. إنه حقاً مهرجان ممتع لا بد من تجربته وصنع الذكريات الممتعة فيه مع أحبائك!