نُقدم لكم مجريات أحداث القنبلة الذرية التي سقطت في هيروشيما، وقبة القنبلة النووية التي تشهد على بشاعة الحرب!
أعتقد أن جميعنا مرت علينا معلومات عن تاريخ “هيروشيما” الحزين التي تم قصفها بالقنبلة الذرية بالكامل، حيث تم استعمال القنبلة الذرية في قتل البشر لأول مرة في التاريخ في حدث لم يتوقع أو يتخيله أحد مخلفة ورائها مدينة تحولت في رمشة عين إلى رمادٍ وجحيم لم يرحم كبير أو صغير وحتى النباتات والأرض لم تسلم منه!
جريمة شنيعة كهذه لا تُغفر أبداً وستستمر للأبد كدلالة على بشاعة الحرب وقسوة قلب الإنسان، وفي هذه المقالة سأقدم لكم تاريخ هيروشيما في فترة القنبلة الذرية وما جرى من أحداث!
لماذا تم إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما؟
في ذلك الوقت خلال الحرب العالمية، أرادت الولايات المتحدة أن تستسلم اليابان في أقرب وقت ممكن لتقليل الخسائر في صفوف الجيش الأمريكين. فعرضت مؤتمر “بوتسدام” والذي ينص على استسلام اليابان استسلاماً كاملاً بدون أي شروط، إلا أن اليابان رفضت وتجاهلت فترة المؤتمر.
وفي مؤتمر “يالطا” في فبراير 1945 تقرر سراً أن الاتحاد السوفيتي السابق سيشارك في الحرب ضد اليابان، فأرادت الولايات المتحدة إلقاء قنبلة ذرية على اليابان قبل ذلك والحصول على ميزة. ولكن إلى جانب ذلك، كان الولايات المتحدة تهدف إلى تجربة مدى جودة وفاعلية القنبلة النووية في ذلك الوقت.
وفي ظل هذه الظروف، بدأت أمريكا بدراسة المدن المستهدفة للهبوط في ربيع عام 1945 وتم حظر الغارات الجوية على المدن المستهدفة من أجل دراسة حجم المدن والقدرة على تدميرها بشكل فعال من خلال الانفجار. فتم تعيين هيروشيما كهدف أول لأنها كانت تعتقد أنها لا يوجد معسكر أسرى حرب لدول متحالفة فيها.
فقامت الولايات المتحدة بإطلاق القنبلة الذرية “الولد الصغير” على مدينة هيروشيما (يوم الاثنين الموافق 6 أغسطس عام 1945 م). ثم تلاها قنبلة “الرجل البدين” على مدينة “ناغاساكي” في التاسع من شهر أغسطس. وكانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة الذرية في تاريخ الحرب.
أين انفجرت القنبلة الذرية؟ وما هي الأضرار؟
انفجرت القنبلة فوق هيروشيما في 6 أغسطس 1945 وكان لها عائد متفجر يساوي 15000 طن من مادة تي إن تي، فدمرت وحرقت حوالي 90 في المائة من جميع المباني وتسبب في وفاة ما يقدر بنحو 140000 شخص، حيث حولت النيران التي أحدثتها الأشعة الحرارية مدينة هيروشيما إلى بحر من النار، فالرماد نفسه الذي يتراكم بعد الحرق لم يسلم من شدة الحرارة، وتساقطت الأمطار المشعة!
وبعدها بثلاثة أيام انفجرت قنبلة بلوتونيوم فوق ناغاساكي ودمرت 6.7 كيلومترات مربعة من المدينة وقتلت 74000 شخص، حيث وصلت درجة حرارة الأرض إلى 4000 درجة مئوية وتساقطت أيضاً الأمطار المشعة.
وفي السنوات التي تلت ذلك، واجه العديد من الناجين سرطان الدم وغيره من أنواع السرطان، وآثار جانبية رهيبة بسبب الإشعاع. وبعد خمس إلى ست سنوات من التفجيرات، زاد معدل الإصابة بسرطان الدم بشكل ملحوظ بين الناجين. وبعد حوالي عقد من الزمان، بدأ الناجون يعانون من سرطانات الغدة الدرقية والثدي والرئة وغيرها من السرطانات بمعدلات أعلى من المعتاد، فلاقوا حتفهم بعد معاناة طويلة من أمراض قاسية سببتها إشعاعات القنبلة الذرية التي امتدت حول المدينة!
هل القنبلة الذرية انفجرت بالقرب من قبة القنبلة الذرية؟ ولماذا نجى المبنى؟
انفجرت القنبلة الذرية على ارتفاع حوالي 600 متر وحوالي 160 متر جنوب شرق قبة القنبلة الذرية (كان في ذلك الوقت قاعة الترويج الصناعي في محافظة هيروشيما). حيث لقى جميع الأشخاص داخل المبنى مصرعهم على الفور، ودُمر الجزء الداخلي للمبنى بالكامل بسبب الحريق. حيث كان ضغط الانفجار 35 طناً للمتر المربع، وكانت سرعة الرياح 440 متراً، ولكن سقف وقبة المبنى وأرضيات كل طابق كان معظمهم مصنوع من قالب طوب باستثناء الهيكل المعدني، فدمرتها موجات الصدمة والحرارة.
أما الجدران الجانبية السميكة لم يتم سحقها بالكامل ونجت من الانهيار. كما نجا الدرج الأنبوبي البيضاوي للقبة من تأثير القنبلة الذرية، وهذا بفضل جدرانه الحجرية الصغيرة القوية. وكانت الجدران القرميدية اليمنى واليسرى، قادرة على تحمل القوى الأفقية للانفجار إلى حد ما، ولكنها دُمرت جزئياً.
وبعد الحرب أصبح هذا المبنى الذي لم يتبقى منه سوى هيكله، يُعرف باسم قبة القنبلة الذرية بين مواطني هيروشيما.
لماذا تم ترك قبة القنبلة الذرية كما هي بعد القصف؟
إن الجدل حول ترك قبة القنبلة الذرية أو هدمها قائم منذ نهاية الحرب. حيث كانت هناك فكرة منذ ذلك الوقت لهدمها من أجل عدم تذكر الذكريات المأساوية للقصف. ومع ذلك يقال إن مخططات حفظ المبنى بدأت بشكل جدي بسبب اليوميات التي تركها “هيروكو كاجياما” التي توفيت بسرطان الدم عن عمر يناهز 16 عامًا بعد تعرضته للإشعاع النووي.
حيث بدأت مخططات التشجيع لحفظ المبنى من قبل أولئك الذين تأثروا بكلمات الفتاة “وحده مركز الترويج الصناعي المؤلم الذي بقى، سيناشد العالم إلى الأبد بسبب القنبلة الذرية المرعبة”. وبناءً على الأموال التي تم جمعها، تم تنفيذ أعمال البناء لإبقاء المبنى مكانه عدة مرات منذ عام 1967 وتمت صيانته ليستمر دليلاً كبيراً على بشاعة الحرب.
تسجيل التراث الثقافي العالمي
في عام 1992 عندما صدقت اليابان على اتفاقية التراث العالمي، خرجت أصوات من الناجين من القنبلة الذرية والمواطنين قائلين “لنسجل قبة القنبلة الذرية في هيروشيما كموقع تراث عالمي”. ومع ذلك لم يتم إدراجها في قائمة التراث العالمي النهائية، وفي غضون ذلك تبنى مجلس مدينة هيروشيما بالإجماع رأياً مكتوباً يطلب تسجيل قبة القنبلة الذرية في “قائمة التراث العالمي” وتم إرسال الرأي الكتابي إلى رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، ووزير التربية والتعليم، ووزير البناء، ووزير الداخلية، وبالتدريج انتشر هذا الرأي إلى جمعية محافظة هيروشيما والحكومات المحلية في محافظة هيروشيما.
النصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية
وفي عام 1993 تم تشكيل “جمعية مواقع التراث العالمي لقبة القنبلة الذرية” على مستوى المواطنين، وبدأت أنشطة التوقيع على تسجيل التراث العالمي. وتجاوز نشاط التوقيع الذي بدأ في يونيو 1993 مليون توقيع في نهاية سبتمبر من نفس العام (وفي مارس 1994 تجاوز إجمالي عدد التوقيعات 1.64 مليون). وبدعم من هذه الآراء وأنشطة التوقيع من الحكومات المحلية في المحافظة، قررت وكالة الشؤون الثقافية في عام 1994 إجراء فحص شامل لتوصيات موقع قبة القنبلة الذرية للتراث العالمي.
وفي عام 1995 تقرر تعيين المبنى كموقع تاريخي للممتلكات الثقافية، وأُوصى به كموقع للتراث العالمي. وفي 7 ديسمبر 1996 تم تسجيل قبة القنبلة الذرية كموقع للتراث العالمي لتبقى دليلاً للأبد شاهداً على بشاعة الحرب وقساوتها.
الخلاصة:
وفي نفس موقع القنبلة الذرية، يوجد متحف السلام التذكاري حيث يُقدم الناجون من القنبلة الذرية محاضرات حول أضرار وبشاعة القنبلة الذرية ويشاركون قصصهم وتجاربهم المؤلمة. كما تُعقد قاعة هيروشيما التذكارية للسلام الوطني لضحايا القنبلة الذرية جلسات قراءة منتظمة لقراءة قصائد عن القنبلة الذرية بصوت عالٍ وغيرها من أنشطة.
وفي كل عام في 6 أغسطس يحي اليابانيون ذكرى القنبلة الذرية المؤلمة، حتى لا ينسوا الضحايا البريئين وقساوة القنبلة، فيجتمع الكثير من السكان في منطقة القنبلة الذرية ويقفون وقفة صمت لأرواح الضحايا، ويقومون بعدها بأنشطة ومحاضرات عن آلام الحرب ويقدموا الهدايا لأقاربهم الضحايا وما إلى ذلك.
في الواقع مشاهدة المتحف وآلام القنبلة في الواقع قد يجعلني أبكي، كشخص عاش العديد من الحروب المؤلمة ونجى منها، فأني أفهم شعور وآلام أهل هيروشيما من صميم قلبي. أتمنى أن يعم السلام في كل مكان وأن لا يجرب أحد بشاعة الحرب. أتمنى للجميع السلام والأمان!
