ما هي ثقافة الحمامات العامة “سينتو” في اليابان؟ نُقدم لكم تاريخ الحمامات العامة في اليابان!
في البلاد العربية مثل بلاد الشام لطالما كانت الحمامات العامة مقصد السكان في الماضي، حيث كانت تعتبر مكان ليس فقط للاستحمام وتنظيف الجسم، وإنما للاجتماع مع الأحباء ولتبادل الحديث وقضاء وقت جميل. وفي اليابان نفس الشيء، حيث يوجد حمامات عامة تُدعى “سينتو” منذ القدم وانتشرت مع الوقت في جميع أنحاء اليابان.
لتستمر حتى يومنا هذا في تقديم خدماتها، فمازلت هذه الحمامات محبوبة من قبل اليابانيين وكثير منهم مازال يحب الذهاب إليها. إذاً ما هي ثقافة حمامات العامة “سينتو” وما هو تاريخها؟ لنتعرف على الأجوبة في هذه المقالة!
ماذا يعني سينتو؟
سينتو وهي منشأة حمامات يابانية عامة حيث يمكن للناس الاستمتاع والاسترخاء في أحواض مائية مليئة بالمياه الساخنة. ويُعتبر هذا النوع من الحمامات شائع في جميع أنحاء اليابان وهي عامة ومتاحة للجميع بعد دفع رسوم دخول رمزية تبلغ حوالي 450 يناً لكل شخص بالغ، وقد تبلغ رسوم دخول الأطفال 180 ين لكل طفل، وبالتأكيد الرسوم قد تختلف من حمام لآخر.
ويتم فصل حمامات سينتو عن بعضها البعض حسب الجنس، ولكن يمكن للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 7 سنوات أو “10 وذلك حسب قواعد السينتو” مرافقة الآباء من أي من الجنسين إلى الحمامات. وعادةً توجد منطقتان في الاستحمام، منطقة تصطف بها صنابير المياه وبها دلو وكرسي صغير للجلوس وغسل الجسم، ومنطقة بها حوض استحمام ياباني كبير يتم دخوله بعد غسل الجسم جيداً.
وعادة ما تكون درجة حرارة الماء في الحمامات أكثر دفئاً من تلك الموجودة في المنزل، فقد تبلغ حوالي 42 درجة مئوية.
يجب الانتباه أنه لا يجب الخلط بين الحمامات العامة “سينتو” وبين الينابيع الساخنة اليابانية، فالسينتو يشبه مؤسسة تخدم حاجة عملية أكثر وهي النظافة الشخصية. كما أنها عبارة عن حمامات مشتركة تستخدم الماء الساخن المسخن من إمدادات المياه العادية، إلا أن حمامات الأونسِن تستمد مياهها المليئة بالمعادن من الينابيع الساخنة الطبيعية المتدفقة من البراكين النشطة المجاورة.
تاريخ وأصل الحمامات العامة “سينتو”
منذ قديم الزمان شعر الكثير من الناس من مختلف الثقافات في جميع أنحاء العالم بأن الاستحمام مهم ليس فقط لتنظيف الجسم وإنما لتطهير العقل والروح، أي أن الاستحمام يساعد على الانتعاش وإخراج الطاقة السلبية.
وهذه ليست مصادفة، في الواقع توجد طقوس الاستحمام بأشكال مختلفة في العديد من الأديان، وعند النظر إلى اليابان فإن أصول الاستحمام والتطهر بالمياه أتت من ممارسات دينية، فالمياه لها أهمية كبيرة في ديانة الشنتو والبوذية منذ القدم. كما بنت المعابد والأضرحة حمامات عامة داخل حرمها حتى يستطيع السكان المحليون الاستحمام، وربما كان لهذا تأثير في زيادة أهمية الاستحمام وانتشار حمامات العامة في الثقافة اليابانية.
ومع مرور الوقت انتشرت فكرة الاستحمام مع النبلاء وبدأت العائلات النبيلة في بناء حمامات خاصة في منازلهم خلال فترة كاماكورا (1185-1333)، وفي نفس الوقت ظهرت حمامات “موشيبورو” أو “حمام البخار” في الكهوف. وتشير أحد المراجع في أقدم مجموعة قصصية يابانية يُطلق عليها “كونجاكو مونوغاتاري” والتي كُتبت في نهايات القرن الحادي عشر وحتى القرن الثاني عشر إلى وجود حمامات عامة في محافظة كيوتو خلال فترة هييآن (794-1185 م).
وفي فترة كاماكورا (1185-1333 م) بدأت سياسة فرض رسوم دخول على الحمامات العامة عُرفت باسم يوسين (湯銭) وتعني “الرسوم المدفوعة مقابل استخدام الحمام”.
فترة إيدو
شهدت الحمامات العامة إقبالاً كبيراً خلال فترة إيدو (1603-1868م) باعتبارها مرافق تستخدم بشكل يومي من قبل العامة.
ويُقال أن أول حمام عام “سينتو” تم بناؤه في إيدو “طوكيو” في عام 1591 من قبل رجل يُدعى إيسيه يوئتشي. وأدى نجاح فكرة الحمامات العامة وكثرة إقبال الناس عليها إلى إنشاء مرافق مماثلة في أماكن مختلفة في اليابان، وبعد عقد من الزمن، كانت هناك الكثير من الحمامات العامة في أماكن متعددة.
وتُشير السجلات التاريخية إلى أنه بحلول عام 1810 كان هناك 523 حمام سينتو في المدينة، وهذا يدل على مدى حب سكان إيدو “طوكيو” للحمامات العامة.
تغير نظام الحمامات العامة
في فترة إيدو كان هناك أنواع من الحمامات العامة من ناحية جنس الزوار، حيث كان يوجد حمامات تفصل بين الرجال والنساء، وحمامات أخرى تسمح بالاختلاط. وقد كانت منطقة كانساي تشتهر بالحمامات المختلطة، إلا أنها لم تنتشر بكثرة في إيدو “طوكيو”.
ومع ذلك لقد كانت الحمامات المختلطة لها شعبية كبيرة بين السكان وأقل كلفة. حتى أن بعض الحمامات كانت تقوم بدعايات جميلة لجذب الناس مثل حمامات “يونا” التي تقوم فيها الفتيات بدعم وتدليك الزبائن من الرجال.
إلا أن هذا النظام رفضه الشوغون لمخالفته الثقافة اليابانية المحافظة ولتأثيره على الأخلاق العامة، فتم إصدار حظر منع الاستحمام المختلط ووقف انتشار حمامات يونا. ومع ذلك يبدو أن قرار الشوغون لم يكن قوي كفاية ولم ينجح.
ويمكن تقسيم حمامات سينتو في بدايتها من ناحية الصنف إلى نوعان: نوع حمامات فورويا وهي تقوم على فكرة حمامات البخار، والنوع الثاني هو حمامات يويا التي تركز على فكرة أحواض الاستحمام المشتركة الكبيرة والتي مع مرور الوقت أصبحت تمثل الشكل الاعتيادي للحمامات على الرغم من حالة الخلط بينهما، وهي تعرف الآن بصفة عامة باسم حمامات فورويا.
فترة مييجي
في بداية فترة مييجي (1868-1912 م) حدث تغييرات في نظام الحمامات مع تدخل الغرب. حيث انتقدت جهات غربية معنية حكومة مييجي على نظام الحمام المختلط، ففرضت حكومة مييجي حظر على الاستحمام المختلط، وهذه المرة كان القرار ناجحاً. وتم بناء حمامات عامة من أبنية أكثر عرضة للهواء بدلاً من أن تكون مغلقة.
وفي عام 1877 تم افتتاح حمام على طراز جديد في طوكيو، بنظام تنفيس بخاري من خلال فتحات في أعلى السقف حيث تم دمج الحمام وغرفة خلع الملابس، وبهذه الطريقة لن يضطر الزبائن إلى الانحناء عند الدخول من المدخل بعد خلع ملابسهم.
وقد تم اعتماد هذا النظام في تصميم الحمامات العامة حتى يومنا هذا، مع إضافة تغييرات مواكبة للتقدم مثل الأرضيات وصنابير المياه التي تمت استحداثها على مر السنين. ووفقاً للوثائق التي تقدمها جمعية مرافق الحمامات، فقد وصلت حمامات السينتو إلى أقصى شعبيتها في عام 1968 بعدد يبلغ 18325 حماماً موزع في جميع أنحاء اليابان.
الحمامات العامة في الماضي والحاضر
في الماضي كانت حمامات سينتو في منطقة طوكيو تتميز بأسلوب بناء مشابه للأضرحة والمعابد، يُعرف باسم ميّازوكوري. ولكن لم تسلم هذه الحمامات من زلزال كانتو الكبير الذي ضرب اليابان عام 1923، ولكن تم ترميم مباني الحمامات، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة قليلاً.
حيث تم زخرفتها بأشكال منحنيات مميزة تُعرف باسم “كاراهاهو” عند مدخل مبنى الحمامات، وبهذا أصبحت مباني الحمامات التقليدية أكثر جاذبية لرفع معنويات السكان المقيمين.
وكثير من الحمامات تحتوي على غرف لتغيير الملابس ذات أسقف معروشة مرتفعة، وحدائق بأفنية صغيرة، وجداريات كبيرة رسمت فوق الحمامات.
وغالباً ما تصور الرسومات على الجداريات جبل فوجي والسماء الزرقاء، حيث يشعر كل من يستحم كما لو أن المياه تغمره من جميع أنحاء الجبل وتنقي جسده. وأيضاً تتزين العديد من الحمامات بلوحات لأسماك الشبوط وهو يسبح، ولوحات تصور الناس قديماً في اليابان.
فلكل حمام زينة وتصميم مختلف وزخرفة خيالية، يمكن أن نقول أن هذه الحمامات تعتمد على خلق مساحة مرئية تأخذ أبصار زوارها بعيداً عن هذا العالم، وتساعدهم على نسيان مشاغلهم اليومية.
تطور الحمامات العامة
ظهر نظام مستحدث للحمامات العامة يُدعى “سوبر سينتو” وقد حظيت بسرعة وشعبية كبيرة. وهناك فوارق رئيسية بينها وبين الحمامات التقليدية وهي كما يلي:
– الحمامات التقليدية لديها رسوم دخول خاضعة لقوانين محلية، بينما سوبر سينتو لا تخضع لرسوم محددة، حيث تقدم مميزات وخدمات متعددة للزبائن مثل مساحة لتناول الطعام، منطقة لوقف السيارة، والخ.
– في حال كان مشروع حمامات السوبر سينتو غير مربح فعادةً تميل إلى الإغلاق، في حين أن حمامات السينتو التقليدية تُعتبر مرافق عامة، ويمكنها أن تستفيد من إعانات الحكومة المحلية.
ومع ذلك أخذت العديد من الحمامات التقليدية زمام المبادرة، وبدأت في منافسة سوبر سينتو، وذلك عن طريق الحفاظ على أجوائها التقليدية مع إضافة طراز ونظام حديث مُلفت ومشجع للزيارة. مثل إنشاء مكتب استقبال بدلاً من كشك مراقبة قديم الطراز، وبناء حمامات مفتوحة في الهواء الطلق، والساونا، والسماح في بعض الحمامات بتناول وجبات خفيفة أثناء الاسترخاء في المياه والخ.
الخلاصة:
لقد انخفض عدد حمامات السينتو في اليابان إلى أقل من ربع مجموع ذروتهم في الستينيات من القرن الماضي، وهذا بسبب انتشار المنازل اليابانية المجهزة بأحواض الاستحمام. إلا أن الحمامات العامة تبقى وجهة محبوبة ومفضلة للكثير من اليابانيين.
حيث يفتخر الشعب الياباني بالحمامات العامة ويحبون التردد إليها من وقت لآخر، فأصبحت جزء من ثقافتهم وعادة محبوبة لتوطيد العلاقات بالدردشة مع الآخرين أثناء الاسترخاء في المياه الساخنة. أتمنى أن المقالة كانت مفيدة لكم. وأشكركم على القراءة!