تقديم أشهر وأعظم ثلاث أمراء حرب في فترة سينغوكو في اليابان
فترة سينغوكو أو “فترة المقاطعات المتحاربة” وهي أعنف مرحلة في تاريخ اليابان، حيث وقعت فيها الحروب بشكل متكرر من نهاية القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن السادس عشر. وبسبب عدم استقرار الأمن العام بين العشائر، زادت رغبة الزعماء الإقطاعيين “الدايميو” وأمراء الحروب في السيطرة على مناطق كثيرة في اليابان من أجل الحصول على القوة والسلطة الأعلى. ونتيجة لذلك زادت الحروب المتعددة ومحاولات التحالف مع العشائر القوية لهزم العشائر الأضعف واخضاعهم بالتتالي.
ولكن برز في هذه الفترة الموحدون الثلاثة” لليابان. وهم من أقوى الأمراء الذين تميزوا بقوتهم وخططهم الذكية. وأولهم أمير الحرب المشهور السيد المطلق “أودا نوبوناغا” الذي بدأ بتوحيد اليابان بخططه وقوته المطلقة، والذي تلاه في الحكم “تويوتومي هيديويوشي”، وواصل بعدهم الأمير المحارب” توكوغاوا إياسو” في طريقه المميز. لنتعرف معاً على حياة وانجازات هؤلاء الأمراء الثلاثة الذين أثروا بشكل كبير في تاريخ اليابان.
أودا نوبوناغا
أول من ساهم في توحيد اليابان وعُرف بقوته وحكمه المطلق الأمير المحارب “أودا نوبوناغا”. ولد نوبوناغا سنة 1534م في مقاطعة “أواري”، وعندما بلغ 17 عام من عمره أصبح سيداً على هذه المقاطعة. وقد تولى نوبوناغا الحكم بعد وفاة والده، حيث بدأ من تلك اللحظة بوضع خططه لتوحيد اليابان.
ولكن في بداية حكمه عارضه شقيقه الأصغر “نوبويوكي” وتآمر عليه بالتحالف مع عشيرة “هاياشي”. ولكن انتهى الأمر بفوز نوبوناغا وقُتل شقيقه. ومن هنا بدأت رحلة نوبوناغا في المعارك وهزم الأعداء بشكل متتالي لتوحيد اليابان.
طريق نوبوناغا لتوحيد اليابان
قاد نوبوناغا حملات عسكرية كثيرة انتهت معظمها بالفوز، حيث بدأ عام 1560م بأول مواجهاته ضد عشيرة “إيماغاوا”، حيث قام سيد هذه العشيرة المعروف باسم “إيماغاوا يوشيموتو” بجمع ما يزيد عن 25.000 ألف محارب وهو عدد خيالي بالنسبة لجيش نوبوناغا الذي يُقدر بحوالي 3000-5000 محارب. ولكن استطاع نوبوناغا الانتصار بخططه العسكرية الذكية وقتل قائد هذه العشيرة “إيماغاوا”، والذي كان يُعرف كواحد من أقوى دايميو في اليابان.
تمكن بعدها نوبوناغا من عقد تحالف عسكري مع أمير الحرب “توكوغاوا إياسو” مؤسس سلالة توكوغاوا الحاكمة. وقد كان هذا التحالف من أفضل الإنجازات التي قام بها نوبوناغا، حيث كان بمثابة غطاء يحمي ظهره ساعده في توحيد نسبة كبيرة من اليابان. وفي حلول عام 1568م إستطاع نوبوناغا السيطرة على “كيوتو” العاصمة الإمبراطورية، فأصبح “السيد المطلق” وانتشرت انجازاته في جميع أنحاء البلاد.
وقد عُرف أودا نوبوناغا طيلة حياته بمساندته المبشرين المسيحيين والأوروبيين ورحب بهم على الرغم من رفضه لجميع المعتقدات، فقد كانت نيته في الأصل الحصول على البنادق الأوروبية الحديثة وتوسيع التجارة في الأراضي التي يحكمها من أجل ازدهارها.
لكن تزامناً مع انتشار قوة نوبوناغا وانجازاته وازدهار أراضيه، خاف الزعماء الإقطاعيين الكبار “دايميو” من سيطرته على المزيد من الأراضي، فشكلوا تحالفات ضده مع الرهبان والبوذيين. فاضطر نوبوناغا إلى مواجهتهم جميعاً بالتتالي.
وبحلول عام 1580م سقطت قلعة أوساكا البوذية على يد نوبوناغا وحدّ من نفوذ الرهبان وسيطر على ما يزيد من نصف أراضي اليابان، واستطاع تحقيق الاستقرار بدمج ساموراي والفلاحين والأثرياء معاً من أجل توحيد اليابان.
نهاية حزينة غير متوقعة
لم يستطع نوبوناغا من إكمال مسيرته في تحقيق حلمه في توحيد اليابان، ففي تاريخ 21 من شهر يونيو 1582م، طلب المحارب ساموراي “تويوتومي هيديوشي” من سيده نوبوناغا المساعدة، فأرسل له مجموعة من جيشه بقيادة “أكيتشي ميتسوهيدي”، بينما نوبوناغا توجه إلى معبد “هونوجي” للاستراحة بالقرب من كيوتو.
لكن في ذلك الوقت كان من المفترض أن ميتسوهيدي قد اتجه غربا بناءاً على أوامر نوبوناغا لدعم هيديوشي ضد عشيرة “موري”، ولكن بدلاً من ذلك غيّر ميتسوهيدي مساره فجأة وقاد جنوده لمحاصرة نوبوناغا. فأضرم النيران من حول المعبد وأجبر نوبوناغا على الانتحار بطريقة “سيبّوكو” بقعر بطنه. وتُعرف هذه الحادثة باسم “حادثة هونوجي”.
معبد “هونوجي”
تويوتومي هيديويوشي
المحارب الثاني موحد اليابان خليفة نوبوناغا، الأمير المحارب “تويوتومي هيديوشي”. ولد هيديوشي عام 1537م في “ناكمورا” بمقاطعة أواري، وهي أرض تابعة لأودا نوبوناغا. وقد كانت أسرته من طبقة الفلاحين الدنيا. فأُرسل هيديوشي وهو صغير إلى المعبد للدراسة ولكنه كان مشاغب و يسبب مشاكل كثيرة.، فذهب بعدها للعمل ولكنه لم يمكث في مكان إلا وهرب منه. فقد كان يُعرف بلقب “سارو” ويعني القرد نظراً لذكائه وحبه للمغامرات.
خدم هيديوشي عائلة إيماغاوا ولكن سرعان ما أنضم في خدمة لنوبوناغا، وقد لفت هيديوشي انتباه سيده نوبوناغا بذكائه وشجاعته، فقد كان دائماً يساعده في وضع الخطط العسكرية الناجحة والتي كانت تنتهي دائماً بالنصر. كما انتصر هيديوشي بمعارك متتالية وأسقط القلاع في خدمة سيده نوبوناغا. وخلال هذه الفترة جمع ثروة دنيوية عظيمة، كما و اكتسب ثقة سيده نوبوناغا فرفع منصبه من محارب في الجيش إلى منصب الجنرال.
توحيد اليابان على خطى أودا نوبوناغا
عند وفاة نوبوناغا كان هيديوشي قد انتصر بالفعل على قوات “موري موتوناري” في غرب اليابان، وتمكن من تحويل مجرى أحد الأنهار لإغراق قلعة “تاكاماتسو”. واستطاع إبرام هدنة قبل أن يعلم خصومه من طرف موري بوفاة نوبوناغا، ثم هرع شرقاً لمواجهة ميتسوهيدي في “معركة يامازاكي” خارج كيوتو بعد 11 يوماً من حادثة هونوجي.
تولى هيديوشي بعدها الحكم كخليفة لنوبوناغا ولكن قام بالتخلص من أتباعه الكبار، فواصل في إخضاع الزعماء الكبار بالتتالي. وفي عام 1583م بدأ في بناء قلعة أوساكا كرمز لقوته في بداية حكم اليابان وتوحيدها.
في عام 1585م تم تعيين هيديوشي “كانباكو” بمعنى وصي الامبراطور، وفي العام التالي منحه الإمبراطور اسم العشيرة تويوتومي. ثم أصدر هيديوشي قراراً يمنع التقاتل بين الإقطاعيات وكان يقاتل من يرفض هذا القرار مثل عشيرة شيمازو التي رفضته فهزمها. وفي عام 1590م هزم هيديوشي عشيرة “هوجو” في “أوداوارا” فزادت سلطته ونجح في توحيد اليابان بعد 8 سنوات فقط من وفاة نوبوناغا.
ثم قام هيديوشي في عام 1586م بإخضاع جزيرة “كيوشو” الجنوبية تحت سلطته، والتي هي موطن لموانئ التجارة الرئيسة التي يعبر من خلالها سلع من الصين وكوريا والبرتغال ودول أخرى. ولكن مع انتشار التجار الغرب والمبشرين اعتنق كثير من عشيرة دايميو المسيحية في كيوشو فانتشرت الديانة المسيحية فيها مما أدى إلى غضب. هيديوشي فقام بطرد جميع المسيحين والمبشرين من اليابان.
كما اتبع هيديوشي سياسة حظر السلاح بين عامة الشعب إلا لمحاربي ساموراي، وشجع على التجارة في الأراضي كما فعل سيده نوبوناغا من قبل، فشجع الفلاحيين والشعب على الزراعة والصناعة وعمل على تسهيل تبادل التجارة بين الأسواق. وهكذا ساهم هيديوشي في نشر الأمن وحقق ازدهاراً كبيراً في اليابان.
في آخر أيام حياته
بعدما كبر هيديوشي في العمر قرر أن يقوم بغزو الصين وكوريا فأطلق جيوشه عام 1592م، ولكن لم يستطع الانتصار.
كما حاول تأمين منصبه لابنه “هيديوري” ولكن لم يستطع وتوفي عام 1598م. فتولى توكوغاوا إياسوا من بعده الحكم، حيث يوجد نفسه أنه أولى من ابن هيديوشي الصغير في الحكم، فخلعه عن المنصب وأصبح هو السيد الجديد الأمير الثالث.
توكوغاوا إياسو
موحد اليابان الثالث بعد هيديوشي الأمير المحارب “توكوغاوا إياسو”. ولد إياسو باسم “ماتسودايرا تاكيتشيو” في قلعة “أوكازاكي” في مقاطعة “ميكاوا” عام 1543م. وقد ساعدت الصعوبات التي شهدها في سنواته الأولى من حياته في تشكيل المحارب و السياسي الأعلى الذي سيصبح عليه في مستقبله.
كان إياسو ينتمي في ذلك الوقت إلى عشيرة “ماتسودايرا” من المحاربين. ولكن كانت حياته وهو طفل غير مستقرة حيث أُخذ رهينة نيابةً عن والده لدى عشيرة الأيماغاوا. واخُتطف في ذلك الوقت من قبل عشيرة أودا، وبعد ثلاث سنوات رجع إياسو لعائلته ليسلموه مجدداً لعشيرة الأيماغاوا كرهينة حتى تضمن العشيرة من عائلته الحفاظ على الهدنة معها، وأُطلق سراحه في عمر 19 عام.
انجازاته مع أمراء الحرب نوبوناغا وهيديوشي
بعد انتصار نوبوناغا على عشيرة إيماغاوا في معركة “أوكيهازاما” الحاسمة، قام إياسو الذي كان يُدعى في ذلك الوقت باسم “ماتسودايرا موتوياسو” بتحويل ولاءه لعائلة أودا وتحالف مع نوبوناغا. وبحلول عام 1567م عزز إياسو قواته في ميكاوا وغير إسمه للمرة الأخيرة ليصبح الاسم المشهور “إياسو توكوغاوا”.
بعد وفاة نوبوناغا أصبحت العلاقة بين هيديوشي وإياسو متوترة، فتقاتلا عدة مرات في “كوماكي” ون”اجاكوتي”في محافظة “أيتشي” حالياً، وبعدها تحالفا معاً وتشاركا في هجوم مشترك على عشيرة هوجو. بعد وفاة تويوتومي هيديوشي عام 1598م أصبح الوضع غير مستقر، فقد كان ابنه صغير مما أشعل ذلك الصراع للحصول على الحكم.
فوقعت معركة “سيكيغاهارا” الحاسمة عام 1600م.وقد شارك في هذه المعركة أكثر من 70000 محارب ساموراي موزعون على كل جانب. واستطاع إياسو تحقيق نصر كامل في هذه المعركة.
طريقه في توحيد اليابان
بعد معركة سيكيغاهارا عام 1600م، انتشرت هيمنة توكوغاوا إياسو في جميع أنحاء البلاد، وأعطاه الامبراطور لقب “شوغون” في كيوتو عام 1603م. وكان ذلك تتويجاً له لاستعادة اليابان وحدتها السياسية. هنا كانت نهاية عصر سينغوكو وبداية عصر جديد وهو عصر “إيدو”.
في ذلك الوقت بدأت “شوغونية توكوغاوا” في الحكم لما يزيد عن قرنين ونصف (1603-1868م). وهي نظام سياسي إقطاعي أسسه توكوغاوا إياسو وحُكمت من قبل “الشوغون” من عائلته توكوغاوا.
ولكن إياسو بعد سنتين من أخذ لقب “شوغون”، تنحى عنه وسمح لابنه “هيديتادا” بالسيطرة الاسمية. ولكن لا بد أن هذه كانت جزء من خطط إياسو الذكية حيث استمر في التحكم والمراقبة في الخيوط السياسية من وراء الكواليس من مقر إقامته في قلعة “سونبو” في محافظة “شيزوكا”.
وفي ذلك الوقت أمر ببناء “قلعة إيدو” في طوكيو على نطاق ضخم ومثير للإعجاب. والتي أصبحت قاعدة قوة لحكام توكوغاوا المستقبليين. وقد اتخذ إياسو سلسلة من الإجراءات لإصلاح النظامين السياسي والاقتصادي، وهكذا تمكن من أن يبسط سيطرته على البلاد.
كانت لفترة إيدو أثناء حكم إياسو تأثير كبير على اليابان الحالية، حيث عمل على تشكيل اليابان وثقافتها: اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وقد كان للمؤسسات التي أنشأها إياسو منذ أكثرمن400 عام أثر كبير، فما زالت تحتفظ بتأثير قوي على اليابان المعاصرة من حيث النظام واحترام السلطة والانسجام الاجتماعي.
نهاية توكوغاوا إياسو
توفي إياسو عام 1616م، عن عمر يناهز 73 عامًا بسبب المرض. ولكن بعد وفاته أصبحت اليابان وحدة سياسية كاملة مزدهرة، كما أصبحت تتمتع بنظام سياسي مستقر. وقد تم بناء ضريح “توشوغو” الضخم شمال إيدو في “نيكو” تخليداً للأمير المحارب القائد إياسو وتمجيداً له.
ضريح “توشوغو”
ملخص هذه المقالة
عند التحدث عن أمراء الحرب في فترة سينغوكو حتى فترة إيدو، فنحن نتحدث عن تاريخ طويل من الأحداث المميزة والمؤثرة، فقد ترك أبرز ثلاثة محاربون في هذه الفترات آثار أثبتت لنا انجازاتهم الكبيرة في بناء القلاع الضخمة وتوحيد الأراضي وازدهار اليابان ونهضتها.
والجميل في الأمر أن أمراء الحرب الثلاثة عاشوا معاً وحققوا انجازات عظيمة بالتعاون، واتبعوا جميعهم خطى سيدهم الحاكم المطلق “أودا نوبوناغا”. وأعتقد أن أكثرهم حظاً هو “توكوغاوا إياسو” حيث توجد مقولة يابانية تقول: “لقد أكل إياسو الفطيرة التي صنعها نوبوناغا وخبزها هيديوشي”، فقد كان الحظ بجانبه وعاش طويلاً وصبره ساعده في الانتصار وتأسيس سلالته شوغونية توكوغاوا.