تجربتي في العمل بالزي الفلسطيني في اليابان
الهوية الفلسطينية والتراث الفلسطيني قد لاقوا الكثير من الإهتمام والتقدير في بعض دول العالم لكن اليابانيون بشكل خاص ستجد لهم بصمة جميلة في تقدير الأعمال اليدوية التي تخص البلاد وتعبّرعن ثقافته وتاريخه, سأحدثكم اليوم عن تجربتي بالعمل كعارضة للزي الفلسطيني في شركة يابانية للفن والرسم ومدى اهتمام اليابان بالفن الفلسطيني .
قبل اكثر من اسبوعين , كنت في احدى المحلات القريبة من بيتي ، فتفاجأت بفتاة تلقي التحيّة ، لم اكن اعرف من هذه الفتاة و خطر في بالي سؤال ” اليابانيون لا يلقون التحية على احد لا يعرفونه” , فنظرات إليها باستغراب” من انتِ “؟وبادلتها التحية بخجل, ثم التقينا صدفة للمرة الثانية فـبادلتها التحيّة لأني عرفت انها تدرس معي في نفس الجامعة , كانت تعطيني نظرات غريبة, لم أفهم ما هي هذه النظرات حتى تحدثت إليّ وقالت ” انتِ تملكين جمالاً عربياً بملامح لطيفة جدا ؛ هل يمكن أن تحضري إلى الشركة التي اعمل بها؟ إذا كنت تحبين العمل كنموذج للرسامين المتدربين في الشركة ! فأخذت عنوان المكان , وفهمت الآن نظراتها ” نظرات الفن” , ظلت تقول ” أنتِ جميلة ” باللغة اليابانية ..وانا ارد باليابانية ” شكرا لكِ “
ذهبت في اليوم المحدد للشركة التي تبعد عن بيتي بمحطة واحدة وعندما وصلت الى هناك وتحدث إليّ المدير بنظرات الرسامين ايضا، كان يسألني من أي بلد أنتِ ؟ قلت من فلسطين , فأحضر لي ورقة مكتوب عليها اسم فنانة فلسطينية من مدينة بيت لحم تؤدي أغنية في ذكرى القنبلة الذرية .
كان شيئاً يدعوا للفخر فعلاً ، كنتُ أظنّ أنّه لا يعرف فلسطين ككل اليابانيين الذين قابلتهم من قبل وكانوا يظنون ” فلسطين ” هي ” باكستان ” لأن كلا الكلمتين متشابهتين في النطق وهم هكذا يسمعونها في العادة .لكنه عرف فلسطين بسبب تلك الفتاة التي غنت لهيروشيما فعرفت أننا لن نكون معروفين إلا عندما نشارك أوجاع العالم ، سيظهر اسمنا إذا بادرنا في إظهار أنفسنا للعالم عبر الفن , فالفن هو الوسيلة الأقوى في هذه الأيام , وبالرغم من كل ما يحصل في فلسطين ما يزال هناك من لا يعرف أنَ هناك دولة تسمى فلسطين .
اليابانيون لا يعرفون الكثير عن فلسطين ,قلّة قليلة من تجدهم مضطلعين على الثقافات و مهتمين بالقراءة عنها . من الممكن أن تجد بعض الكبار في السن يعرفون ان هناك صراع بين فلسطين واسرائيل ، لأن زوجي اخبرني ان صورة الطفل الذي يحمل حجراً في يده ضد الدبابة الاسرائيلية كانت هي الصورة التي تعبر عنكم بالنسبة لليابان ونحن نعرف انكم الضحية لهذا الاحتلال وهذا ما يوجد في المناهج اليابانية .
ثم بعد ذلك ، سألني المدير : ” هل يمكنك لبس الزي الفلسطيني ؟” فأجبته : بالطبّع . في اليوم المحدد ، لبست الثوب الفلسطيني و ذهبت إلى العمل ، كان هناك العديد من الرسامين المتدربين بأعمار ما بين ال١٦ وال١٩ تقريبا و كانت نظراتهم للمرة الاولى نظرات مندهشة و كنت استمتع بسماع تعليقاتهم اللطيفة ” لطيفة جدا..ثوب رائع ، ملامح عربية جميلة ”
قام المدير بالتعريف عني بطريقة مختصرة. هي من دولة عربية تسمى فلسطين و متزوجة من شاب ياباني ، واتبعها بسؤال موجه اليهم :هل هناك أحد منكم يعرف دولة فلسطين ؟ لم يرفع أحداً يده . كما هو متوقع طبعا من طلاب الثانوية وخاصة المهتمين فقط بالفن .ظلت النظرات الغريبة على ملامحهم
ثم توجه بسؤاله إلي :كيف تعرفون اليابان ؟؟ قلت : اليابان دولة مشهورة بتقدمها , كانت تلك الكلمات كافية , ثم سألني ما الفرق بين فلسطين واليابان ؟؟ فاخبرتهم أنّ اليابان أكثر اماناً وسلاماً ثم قلت بدون تردد ” الحرية” , لأن فلسطين دولة محتلة و ولا يمكننا التنقل كما نريد ، يوجد حواجز ونقاط تفتيش بين كل المدن .
ظل الجميع صامتا وبدا لي انهم يفكرون بما أقول ثم سألهم عما إذا كان لدى أحدهم سؤال ليوجهه إليّ فرفعت فتاة يدها في خجل وسألت عن كيف وافق والداها على الزواج من ياباني والانتقال الى اليابان وكيف تعرفت على زوجها ؟فأجبت كل الاسئلة التي أثارت فضولهم ومنها كان ايضا ما هو هذا الثوب الذي ترتدينه ؟؟ فأخبرتهم أنّ هذا هو الزي التقليدي في بلدي ، كالكيمونو الياباني تماماً .
وكيف تجدين الحياة في اليابان ؟ اكتفيت بقول ” جميلة ” , حيث كان هناك صعوبة في التفاهم معهم كوني مبتدئة في اللغة اليابانية و عجزهم عن التواصل معي باللغة الانجليزية فكانت إجاباتي مختصرة مراعاة للغتهم الإنجليزية ومراعاة للغتي اليابانية الضعيفة .
المجتمع الياباني معروف بأنه منغلق بطبعه وفيه ندرة التعرف على الثقافات والبلاد الجديدة رغم أنّه مجتمع قارئ لكنه لا يزال منغلقا ويتمثل القصور الحقيقي في اللغة الإنجليزية وهي اللغة العالمية التي ستفتحهم على العالم .
فالتقدم والحضارة في اليابان لم يصل إلى التعرف على الحضارات الاخرى وإتقان اللغة الانجليزية , لكن وجود العرب في اليابان يخلق فرصة رائعة للطرفين للتعرف على أشياء جديدة و إثراء الأفكار الجميلة لدى اليابانيين عن العالم العربي وثقافته العريقة بعيداً عن الثقافات الغربية . لقد اردت ان اجعلهم يقرأون ما بين ملامحي وملابسي وطريقة تفكيري و الرد على اسئلتهم ، كيف يبدو العالم العربي .
أثناء العمل
كنت اراقب الرسّامين و كيف تبدوا ملامحي بالنسبة لهم فكل رسّام منهم لديه طريقته ليعبر فيها عن ما يرى امامه فهذه المرة الأولى لهم للقاء فتاة عربية . كانت لوحاتهم رائعة جداً , لقد رسموني بشغف مع إظهار تفاصيلي وبزوايا مختلفة ، منهم من كان مبتدئا ومنهم من كان فعلا يستحق لقب الفنان .
وبعد قضاء يومين في الرسم , كنت انتظر على احر من الجمر كيف سأبدو في بعض اللوحات باللمسات الاخيرة فكان أحدهم قد اضاف خلفية خضراء ، يقول انه انسب للزي الفلسطيني و هذا التعليق أثار انتباهي فعلاً كأنّه يحاول وصف البلاد التي أتيت منها, ومنهم من ترك الخلفية بيضاء كي يبرز تفاصيل الثوب الفلسطيني الذي تم بكل صعوبة ، كان رسمه صعب جداً بالنسبةِ لهم لكنه ليس أصعب من حياكته طبعاً .إن هذا الثوب يحتاج إلى شهور طويلة كي يتم تطريزه بكل هذه الدقة والجمال .
بعض الرسمات بعد انتهائهم من الرسم
موقف اليابان من الزي الفلسطيني
في العاصمة طوكيو يوجد نساء يابانيات يصنعن الكيمونو بالتعاون مع نساء فلسطينيات لصنع الحزام الخاص به بالتطريزة الفلسطينية. عند زيارة اليابانيين لفلسطين لأول مرة ، ستجذبهم الصناعات اليدوية و المطرزات التراثية ،أما بالنسبة للآنسة Maki Yamamoto التي كانت تعمل كباحثة في مستحضرات التجميل عملت على خلق فرص عمل للنساء الفلسطينيات من خلال وشاح الكيمونو المعروف باسم ” اوبي ” .
نظرًا لوقوعها في حب تقنيات وزخارف التطريز الفلسطيني ، و دخلت في شراكة مع منظمة محلية غير ربحية حيث تقوم بتدريب النساء الريفيات من قرى فلسطينية على تصنيع المنسوجات لأحزمة الكيمونو. يجمع جهدها بين الحرفيين الفلسطينيين واليابانيين ويخلق قيمة ثقافية وفرصاً اقتصادية جديدة.
وفي طوكيو يمكنك ايضاً أن تجد بعض المعارض الخاصة بالكيمونو ذو الحزام المطرز بأيدي فلسطينية . إن المزج بين الثقافة الفلسطينية واليابانية في صنع الكيمونو كان من اجمل الاشياء التي يمكن ان تراها .
صورة لل”اوبي” حزام الكيمونو المطرز بنقشات فلسطينية
مدى اهتمام اليابانيين بالتراث الفلسطيني
الزي الفلسطيني من التراث الثابت وعلى الرغم من محاولة السرقات التي يتعرض لها هذا التراث الفلسطيني , ثمة من يهتم بإعادة إحيائه في اليابان و التعريف عنه باللغة اليابانية , حيث يوجد في جامعة مدينة هيروشيما بروفيسورة يابانية عظيمة تعمل كمدرّسة للغة العربية في الجامعة وتقوم بزيارة فلسطين والبحث عن تاريخ التراث الفلسطيني والكتابة عنه وتوثيقه في كتب مترجمة للغة اليابانية , هذا امر اثار اهتمامي كثيراً لاقتناء هذا الكتاب بعدما كنت من المشاركين في كتابة محتواه لتسهيل ترجمته, حيث يستطيع اليابانيون قراءته و مشاهدة الصور فيه التي تتعلّق بالتراث و تاريخه ولديها العديد من الكتب أيضاً التي تتحدث فيها عن عدة مواضيع تتعلق بالفن الفلسطيني .
صورة لغلاف الكتاب بعنوان : الموقع الحالي للثقافة الفلسطينية
أداء فن المقاومة
الخلاصة
إن أبسط ما يمكن فعله للتراث الفلسطيني بعد كل ما يتعرض له من تغيير وتبديل وتزوير سرقة هو أن يتم الحفاظ عليه وإحياؤه قدر الإمكان في كل مكان ليس فقط في فلسطين . فخوضي لتجربة كهذه ، عززت فيّ مشاعر الوطنية التي في داخلي كي أكون جسراً يربط فلسطين باليابان و المساهمة في خلق فرص جديدة لهم للتعرف على تراث شعبٍ آخر من خلال استخدامهم فرشاتهم وألوانهم . فالفن بحد ذاته ثقافة تجمع الدول جميعها في لوحة واحدة . فلنجعل من ملامحنا و لباسنا واخلاقنا لوحة فنيّة تظهر للعالم عندما يحتاج للحب والسلام .
مثير للاهتمام …أنه لأمر عظيم أن تلقى فلسطيننا الشقيقة الترحيب و الإحترام من مجتمع اليابان رغم انف كل الظروف …
وبشخصي أحببت فكرة الأوبي تستحق انها جميلة فعلا ولها لمسة مميزة …
تحيتي للمجاهدات الفلسطينيات ولكل اليابانيين المتعاونين …منهم السيدة ميكو المذكورة في المقال …
الشكر الجزيل لك آمنة على اثرائنا بهذه المعلومات ..
كل الحب من الجزائر
شكراً جزيلاً لك على قراءة المقالة وعلى التعليق. فعلاً إنه لأمر جميل، اليابان بلاد تحب السلام والهدوء وهي تحترم الانسان مهما كانت ظروفه، وتعشق شي اسمه ثقافة وتاريخ. وبما أن فلسطين لها تاريخ طويل وأماكن مقدسة فهم يعتزون بها ويحبون التعلم عنها.
نحن نوافقك الرأي صنع أوبي من التطراز الفلسطيني ووضعه على الكيمونو الياباني سيكون مزيج جميل للغاية.
شكراً لك ولك تحيتنا من اليابان لأهل الجزائر الحبيبة 🥰