هل الكانجي صعب أيضاً بالنسبة لليابانيين ؟!! نُقدم لكم تاريخ الكانجي الياباني وأصعب رموز الكانجي!
كثيراً ما يسأل المهتمين باللغة اليابانية “ما هو الكانجي في الأصل؟ ولماذا يجب أن نستعمله مادام هناك أنظمة كتابة أخرى في اللغة اليابانية؟”، وأيضاً السؤال المشهور “هل الكانجي هو نفسه الكانجي الصيني؟ ألا يعاني اليابانيون من صعوبة في كتابة وقراءة الكانجي؟”.
قد يكون الكانجي صعب ومهيب عند النظر إليه لأول مرة، ولكن في الواقع إن الكانجي له مميزات كثيرة في الاستعمال لنقل الرسالة والمعاني العميقة التي تتجسد في طيات هذه الرموز والتي تبدو وكأنها رسوم تعبيرية وهي فعلاً كذلك.
في هذه المقالة سأقوم بالإجابة عن أسألتكم من خلال توضيح جيد عن الكانجي وتتبع تاريخ تطور استعماله في اليابان. هذا إلى جانب تقديم بعض رموز الكانجي المميزة والصعبة حتى لليابانيين أنفسهم. لنبدأ جولتنا في عالم اللغة اليابانية!
ما هو الكانجي؟
يُعرف الكانجي بأنه رموز تصويرية صينية انتقلت إلى اليابان من الصين منذ القدم. في ذلك الوقت كانت اللغة اليابانية لغة محكية فقط أي لا يوجد حروف أو رموز كتابة، فبدأت نظامها الكتابي باستعمال الكانجي. وتُمثل رموز الكانجي الكلمات أو الأفكار، وكما تضم معاني مختلفة ونطق متعدد حسب طريقة استعمالها. ويمكن أن يكون رمز الكانجي الواحد كلمة في حد ذاته.
ولابد من الانتباه أن طريقة استعمال ولفظ الكانجي في اليابان يختلف عن اللغة الصينية، فعلى الرغم من أن الكانجي انتقل من الصين لليابان، إلا أن اليابانيين غيروا استعماله ليتناسب مع لغتهم اليابانية المحكية. فنتج عن ذلك طريقتان في لفظ الكانجي، الأولى (أونْ يومي on-yomi) وهي قراءة صينية بلكنة يابانية، والثانية (كنْ يومي kun-yomi) وهي قراءة يابانية باللغة المحكية الأصلية.
وكلا الطريقتين مهمتان ويتم استعمالهما حسب موضع الكانجي في الكلمة. حيث تتغير طريقة القراءة في كثير من الأحيان إذا كان رمز الكانجي لوحده أو مرتبط مع رمز آخر.
مثال:
هذا الرمز (日) تتم قرائته بطريقة “كن يومي” بهذا الأسلوب (هي/ بي/ كا) أما طريقة أون يومي هي (نيتشي/ جيتسو). لنستعمله في بعض الكلمات اليابانية! في الأساس هذا كانجي تصويري يمثل الشمس واليوم (هي 日)، وكما يُستعمل في كلمات أخرى كثيرة مثل كلمة “اليابان” (نيهون 日本)، وفيها تم استعمال نظام القراءة بلكنة يابانية. أما كلمة “كل يوم” تُلفظ (ماي نيتشي毎日) باستعمال اللكنة اليابانية.
قد يكون استعمال طرق قراءة الكانجي في البداية صعب أو مشوش حتى بالنسبة لليابانيين، ولكن مع حفظ المرادفات اليابانية سيكون من السهل قراءة الكانجي من خلال ربط شكله بمعناه.
تاريخ الكانجي في اللغة اليابانية
ظهر الكانجي في الصين منذ أكثر من 3300 عام. ولكن كان يتم استعماله بطرق مختلفة ولم يكن بشكله الحالي بالتحديد، بل تطور وتشكل مع مرور الوقت حتى استقر لشكله الحالي. هناك تاريخ طويل عن قصة نشأته في الصين ولكن سنركز هنا على تاريخ ظهوره في اللغة اليابانية وهو موضوعنا في هذه المقالة.
تشير التقديرات إلى أن المرة الأولى التي وصل فيها الكانجي إلى اليابان كان في القرن الأول تقريبًا، وذلك بناءً على آثار لرموز كانجي تم العثور عليها في الطوابع الذهبية “التي تم التنقيب عنها في محافظة فوكوكا” والعملات النحاسية “التي تم التنقيب عنها في محافظة ناغازاكي”. وهي جميعها مصنوعة في الصين وكان يوجد عليها أختام صينية.
وقد وصل الكانجي إلى لليابان عن طريق التجارة مع الصين من خلال استيراد بضائع عليها رموز كانجي كالسيوف والأختام ومن خلال الزيارات والمعاملات الرسمية. وفي حوالي القرن الخامس بدأت كتابة أسماء الأماكن اليابانية والأسماء الشخصية والألقاب باستعمال رموز الكانجي على السيوف والمرايا البرونزية المصنوعة في اليابان وفي الوثائق الرسمية.
ففي ذلك الوقت كانت اللغة اليابانية لغة محكية فقط، أي لا يوجد حروف ولا رموز كتابة. حيث كان يروي الناس كل الأساطير والقصص والأمثال شفوياً. فاستعملوا رموز الكانجي للتواصل بالرسائل الرسمية باعتبارها رموز تصويرية تعبر عن المعنى والأفكار حتى وإن كان اللفظ غير واضح.
ومع مرور الزمن وبحلول القرن السادس والسابع بدأ عدد اليابانيين القادرين على قراءة وتعلم الكانجي بالازدياد، وارتفع عدد المقبلين على تعلم الكانجي بالتدريج وتوسعت الطبقة الأدبية. ومن العوامل التي ساهمت في زيادة استعمال الكانجي في اليابان هو وصول الكونفوشيوسية والبوذية والطاوية من الصين وكوريا إلى اليابان. ومن أجل استيعاب أفكار ومعتقدات هذه الأديان كان من الضروري أن يتعلم الناس قراءة وكتابة الكتب الصينية المكتوبة برموز الكانجي.
وفي فترة حكم الإمبراطور سويكو بدأ إرسال بعثات دبلوماسية كاملة إلى الصين، مما نشأ عنها زيادة في معرفة القراءة والكتابة بالكانجي في البلاط الياباني. أما في فترة نارا (710 -794م) بدء بناء تمثال بوذا لتنتشر شهرته في كل مكان، وتم تنفيذ مشروع نسخ على نطاق واسع للكتب الصينية، فتم إنشاء مكتبة نسخ عامة، وقام أشخاص متخصصون بنسخ الكتب المقدسة المكتوبة برموز الكانجي الصينية.
وفي خلال مرحلة استعمال الكانجي الصيني، كانت اللغتين الصينية واليابانية مختلفتين تمامًا، مما يعني أن تبني رموز الكانجي لم يكن سهلاً. كان لابد من إجراء الكثير من التعديلات والتغييرات على النطق وطريقة الكتابة من أجل ملاءمة الكانجي للغة اليابانية الأصلية. فبدأ اليابانيون يلفظونه بلكنة لغتهم المحكية فكونوا قراءة خاصة بهم تتناسب مع لغتهم. فأصبح الكانجي يُقرأ بشكل مختلف عن النطق الصيني. “تم توضيح الطريقة سابقاً”.
وكما ظهر نظام كتابي جديد يسمى “مانيوغانا” وفيه يتم استعمال رموز الكانجي بطريقة خاصة في اليابان. ومن الأدلة على استعماله، هو كتاب أشعار يابانية “مانيوشو” تعود إلى النصف الأخير من القرن السابع إلى النصف الثاني من القرن الثامن. وجميعها حتى تدوين الإيقاع الشعري كله كان مكتوب برموز الكانجي فقط.
أصعب رموز الكانجي استعمالاً في الحياة اليومية
هناك العديد من رموز الكانجي ذات الخطوط الكثيرة صعبة للغاية، مما يجعل فكرة تعلم الكانجي مخيفة خاصةً في البداية، ولكن مع الممارسة ستصبحون قادرون على التعمق وفهم تراكيب الكانجي ونظامه المذهل حتى داخل الرمز الواحد. فأقصى حد للمرء في تعلم الكانجي يصل إلى 1600-2000 كانجي رئيسي ومهم في الحياة والعمل والدراسة.
ومع ذلك هناك أكثر من 4000 كانجي حتى أن المواطن الياباني العادي قد لا يعرف كيف يُكتب أو يُقرأ. حيث يوجد اختبارات متعددة المستويات في إتقان الكانجي والتخصص به جيداً لمن يرغب بذلك. سأقدم لكم بعض رموز الكانجي الغريبة والصعبة المستعملة في بعض الكلمات، وهي كالتالي:
薔薇 (بارا バラ)
هذه الكلمة تعني “وردة، زهرة” وهي من نوع الورد الجوري. عادةً يكتبها اليابانيون باستعمال نظام الكاتاكانا (バラ)، ومع ذلك لماذا قد يتم استعمال رمزين كانجي لهذه الكلمة بدلاً من واحد؟ حسناً لنجرب فصل رمزي الكانجي عن بعضهما البعض، لنبدأ برمز (薔) يبدو أن هذا الرمز عندما أتى من الصين كان يُستعمل مع الرمز الذي يليه في الكلمة، ليشير للورد، أي أنه لم يكن يُستعمل لوحده.
بمعنى آخر، هذا الرمز لا يوجد له معنى لوحده، حيث تتغير القراءة لتصبح ” شوكو، سوكي، شوكي، زو والخ”. ويقال أن أصل هذا الرمز هو اختصار للكلمة الصينية (艸檣) والتي تعني التمدد. حيث أن (艸) يعني العشب وقد تم تشكيله في هذا الشكل (艹) من أجل دمجه في كانجي آخر، و(檣) تعني الجذع والساق، وهكذا تم دمجهم معاً ليكونوا هذا الكانجي (薔)، ليصل عدد خطوطه 17 خط.
أما الرمز الثاني (薇) قرائته لوحده هي “مي، بي” وهو يتكون من 16 خط، ويمكن تقسيمه إلى (艹) ويشير للنبتة والعشب، وهو نفس الرمز الذي شرحته للتو. أما (微) يعني صغير ورقيق. وهكذا عند جمعهم معاً (薔薇) يصبح المعنى “وردة” في اللغة اليابانية بعدد 33 خط وهذا ما يجعله صعب.
檸檬 (ريمون れもん)
هذه الكلمة تعني فاكهة الـ”ليمون” وعادةً يستعمل اليابانيون حروف الكاتاكانا (ريمون レモン) في كتابتها لسهولتها. فإذا نظرنا إلى عدد الخطوط في الكانجي الواحد لرمز (檸) فهو يتكون من 18 خط، أما قراءته تتم بطريقة أون يومي وهي (دو، ناي، نيو). أما الكانجي الثاني (檬) يتكون من 18 خط وقراءته بنظام أون يومي هي “مو”. وهكذا يصبح عدد خطوط الكلمة ككل 36 وهو عدد صعب لحفظ الكانجي ودراسة أصول تراكيبه.
ولكن قد يستغرب البعض لماذا هذا الكانجي يُلفظ ريمون وليس “نيمون” أو “دومو” حسب قراءة الرموز، في الواقع هذه الكلمات تعني شجرة دائمة الخضرة من عائلة الحمضيات. ولكن تم تشكيل اللفظ ليصبح “ريمون” ليعني بالتحديد الليمون كالكلمة الإنجليزية الدخيلة. وأود أن أوضح لكم رمز مشترك في هذه الكلمة وهو رمز الشجرة (木) تم توحيده مع رمزي الكانجي (檸檬) ليكتمل المعنى “شجرة” فاكهة حمضية.
(ゆううつيووتسو) 憂鬱
هذه الكلمة تعني “شعور سلبي، كآبة وقلق” ويمكن أن تعبر هذه الكلمة عن الشعور بعدم الراحة في فعل شيء غير مرغوب به، أو عندما يكون هناك شيء يود الشخص القيام به ولكن لايستطيع. وبالنسبة لرموز الكانجي في هذه الكلمة فهي صعبة في الكتابة كما نرى حيث يوجد الكثير من الخطوط.
لنقسمهم ونتعرف عليهم بشكل مبسط، الكانجي الأول (憂) يحتوي على 15 خط، ومعناه (حزين، قلق، كآبة، متحسر) وهو يحتوي على رمز القلب متحد في داخله (心)، أما الكانجي الثاني والأصعب (鬱) وهو يحتوي على 29 خط، ومعناه (شعور بالانغلاق، كآبة). وهكذا نجد المجموع الكامل لعدد الخطوط في هذه الكلمة هو 44 خط.
麒麟 (كيرين きりん)
هذه الكلمة مثيرة للاهتمام، فهي تحتوي على معنيان وهما “الزرافة” و”كيولين” الحيوان الآسيوي الأسطوري. ويُعتقد أن هذا الحيوان مرتبط بالزرافة، فمن ناحية أخرى هو زرافة. ومع ذلك، غالبًا ما يتم تصويره بقرون تنين أو غزال وأحيانًا بجسم مثل الحصان وهناك العديد من الاختلافات.
وبما أن هذه الكلمة الوحيدة التي تعني الزرافة باستعمال الكانجي. فقد يحدث سوء تفاهم ولذلك عادةً يستعمل الناس اسم الزرافة بحروف الكاتاكانا (كيرين キリン) لسهولتها أيضاً.
الآن لننتقل إلى رموز الكانجي في هذه الكلمة، الكانجي الأول (麒) وهو يتكون من 19 خط، ويُلفظ بطريقة أون يومي “كي” ويعني (يونيكورن صيني، عبقري، زرافة، مشرق، ساطع). أما الكانجي الثاني (麟) ويتكون من 24 خط، ويحتوي على معاني الكانجي السابق. وهكذا يصبح عدد الخطوط في الكلمة هو 43 خط.
ومن الجميل أن ننتبه أن هناك كانجي مشترك في الكلمة وهو كانجي (شيكا 鹿) ويعني غزال، وهو متحد على الجانب بشكل مصغر. فعند رؤيته حتى وإن لم نعرف قراءة الكانجي ومعناه بالتحديد، سنعلم أن هذا الكانجي يشير إلى مخلوق رشيق له قرون أو شي يتعلق بصفات الغزال.
葡萄 (بودو ぶどう)
وهي كلمة تعني فاكهة الـ”عنب”. وعادةً يستعمل اليابانيون حروف الكاتاكانا في كتابتها (بودو ブドウ). لنبدأ الآن بالتعرف على كانجي الكلمة، الكانجي الأول (葡) ويتكون من 12 خط، أما كانجي (萄) فهو يتكون من 11خط . وكلاهما يعني عنب. وهكذا يصبح المجموع 23 خط. ويمكن ملاحظة وجود الرمز المشترك (艹) في الكلمة فوق الكانجي والذي يشير للنبتة وعشب.
الخلاصة
في هذه المقالة تتبعنا معاً تاريخ الكانجي فقط في اليابان، ولكن لابد من الانتباه أنه بعد ظهور النظام الكتابي “مانيوغانا” من رموز الكانجي أدى ذلك إلى ظهور نظام كتابة كانا بالتدريج وهي “الهيراغانا والكاتاكانا”، فأصبحت اللغة اليابانية تتم كتابتها بثلاثة أنظمة كتابة لا غنى عنها. قمتُ بشرح هذه الأنظمة وطرق استعمالها في مقالة اللغة اليابانية يمكنكم الرجوع لها لمعرفة المزيد.
وبالنسبة للكانجي فكما رأينا تتغير طرق لفظه حسب استعماله، ولاحظنا أيضاً أنه في رمز الكانجي الواحد يوجد عدة معاني ورموز اجتمعت معاً لتشير لمعنى آخر بشكل عميق. يمكن القول إن الكانجي ونظامه فن وإبداع في نقل المعنى والأفكار العميقة.
وأما بالنسبة لسهولة حفظ الكانجي، فهناك سهل ومتوسط السهولة وصعب بعض الشيء، وهذا كله بالتأكيد يعتمد على دراسة الشخص وممارسته في القراءة. ولكن قدمتُ لكم هنا بعض من أصعب رموز الكانجي حتى بالنسبة لليابانيين، فكلما زادت الخطوط وتراكيب الرموز داخل الكانجي الواحد ازدادت صعوبته. ولكن سيكون من الجميل التعمق في هذا الفن شيئاً فشيئاً. وأشكركم على القراءة.