تقع محافظة ميئ في وسط الأرخبيل الياباني على طول الساحل الشرقي للمحيط الهادي، وهي منطقة تتمتع بجاذبية تاريخية وثقافية كبيرة لدرجة أنها كانت أمنية للكثير من اليابانيين بزيارتها ولو مرة واحدة في حياتهم.
في هذا المقال سنأخذكم بجولة ساحرة داخل هذه المحافظة لنستكشف سر انجذاب الكثير من الناس لها بهذا الشكل العجيب والمثير. أيضا سنقدم لكم أماكن نوصيكم بزيارتها في محافظة ميء، فلنبدأ رحلتنا!
ايسي جينجو
يعتبر ايسي جينو والذي يقع في محافظة ميئ بأنه معبد الشنتو الأكثر أهمية وشهرة في جميع أنحاء اليابان، حيث ان كل اليابانين يعرفونه جيدا، وهو احدى الوجهات الرئيسية التي يجب زيارتها في محافظة ميئ.
كان الدين الياباني الأصلي ما قبل التاريخ شكلاً من أشكال عبادة الطبيعة التي تتمحور حول عدد من الآلهة المرتبطة ببعض العناصر الطبيعية. وكان من أهم هؤلاء إله الشمس (أماتيراسو) وهي أنثى. تعتبر (أماتيراسو) بأنها أهم إله شنتو، وتدعي العائلة الإمبراطورية اليابانية أنها تنحدر منها.
كانت إحدى الأماكن الأولى التي تم فيها تكريس عبادة (أماتيراسو) في جزيرة هونشو بوسط اليابان ، في المنطقة المعروفة اليوم بمحافظة مي، شرق كيوتو وأوساكا، بالقرب مما يُعرف اليوم ببلدة (إيسي). يوجد هنا ايسي جينجو، أو ضريح ايسي الكبير.
يعتبر ايسي جينجو بأنه فريد جدا حيث يتم هدمه بالكامل وإعادة بنائه كل 20 عامًا.علاوة على ذلك ، فإن الهندسة المعمارية البسيطة للضريح فريدة من نوعها، حتى بموجب القانون: لا يُسمح لأي ضريح شنتو آخر بتقليد أسلوبه البسيط والقديم. وهكذا ، فإن ايسي جينجو، الذي بني بأسلوب قديم ولكن تم هدمه واستبداله كل عقدين من الزمان، هو قديم وجديد، ويعبر عن عدم ثبات كل الأشياء المادية، بالإضافة إلى الطبيعة الدائمة للروحانية.
تقول الأسطورة أن ايسي جينجو قد تم تأسيسه منذ أكثر من 2000 عام ، من قبل الأميرة ياماتو هيمي-نو-ميكوتو، ابنة الإمبراطور الأسطوري سوينين. غادرت الأميرة مدينة يطلق عليها باسم نارا وتجولت لمدة 20 عامًا بحثا عن مكان لها للاستقرار وفي ذات يوم قامت بسماع صوت اله الشمس أماتيراسو، التي أخبرتها أنها ترغب في أن تعبد وتكرم في منطقة معينة داخل الغابة. وهكذا بدأت قصة المعبد.
مثل العديد من أضرحة الشنتو، فإن ايسي جينجو في الواقع يتكون من مجموعة من المباني 125 مبنى على وجه الدقة.
المبنيين الرئيسيين هما الضريح الأصلي “الداخلي” ، أو كوتاي جينجو، وضريح ثانوي خارجي يطلق عليه تويوكي دايجنجو، الذي تم بناؤه بعد الضريح الأصلي بحوالي 500 عام.
يعتبر الضريح الخارجي أكثر انفتاحًا إلى حد ما للجمهور والزوار ويستقطب المعبد آلاف الزوار كل شهر، وتعد الاحتفالات حول إعادة بناء الموقع من بين أهم الأحداث في التقويم الياباني حيث يتم تجديد موقع المبنى كل 20عاما.
هناك أيضًا مجموعة من التواريخ الأخرى خلال العام والتي تجذب الزوار. يمكن القول إن الضريح هو أهم مبنى في اليابان.
خارج الضريح نفسه ، تعتبر الأراضي وجبال الغابات المحيطة، جنبًا إلى جنب مع نهر إيسوزو الذي يمر عبره ، من بين أجمل وأهم الوجهات في كل اليابان.
أوكاقي يوكوتشو
يقع أوكاقي يوكوتشو(Okage-yokocho) في وسط بلدة أوهاري (Oharai-machi) ، وهو عبارة عن شارع ممتد على الطريق المؤدي إلى معبد ايسي جينغو( Ise Jingu) ومكون من عدة مباني . هذه المباني قديمة جدا وتراثية حيث تعود إلى فترة إيدو و ميجي وقد تم اعادة بناؤها.
ظهرت فكرة أوكاقي يوكوتشو من خلال إحساس عميق بالامتنان للمحيط، والموارد الوفيرة والتقدير لجميع الكائنات الحية في بلدة أوهاري Oharai الصغيرة، أمام معبد ايسي جينو الذي تحدثنا عنه سابقا.
تم افتتاح أوكاقي يوكوتشو (Okage-yokocho) في صيف عام 1993. في اليابانية، تعني كلمة okage بالشكر وتعني yokocho نوعًا من الشوارع الجانبية. أما كلمة أهاري فتعني التطهير.
بدءًا من فترة إيدو اليابانية (1603 إلى 1867) ، كانت مدينة إيسي وجهة لعدد لا يحصى من الحجاج من جميع أنحاء البلاد الراغبين في تقديم احترامهم في إيسي جينجو.
يقال أن واحدًا من كل خمسة أشخاص في ذلك الوقت شق طريقه إلى معبد ايسي جينجو الموقر بالرغم من كثرة الصعوبات التي جاءت مع رحلاتهم. حتى أنه كانت هناك أغنية شعبية بها كلمات تقول جزئيًا ، “أريد أن أذهب إلى مدينة ايسي، أريد أن أرى ايسي مرة واحدة على الأقل في حياتي.”
على الرغم من الرحلات الطويلة والصعبة في كثير من الأحيان، كانت الطرق المؤدية إلى إيسي مليئة بالمسافرين المرهقين الذين يحتاجون في كثير من الأحيان إلى يد المساعدة. كان السفر في الماضي صعبًا بسبب ندرة السكن والطعام بالإضافة إلى الحاجة إلى إذن مصرح به للمغامرة خارج منطقة المنزل.
مع العلم جيدًا بالعقبات التي واجهها الحجاج في رحلاتهم إلى مدينتهم، رحب سكان بلدة إيسي بزوارهم المنهكين في كثير من الأحيان بأذرع مفتوحة وامتنان. لقد اعتقدوا أن كرمهم ولطفهم تجاه هؤلاء الزوار كانت طرقًا موقرة للتعبيرعن امتنانهم لآلهة إيسي جينغو.
لقد تغيرت الأوقات والظروف بالتأكيد منذ أن شق الحجاج الأوائل طريقهم إلى إيسي منذ فترة طويلة، لكن شيئًا واحدًا في هذه المدينة لا يزال قائماً ويزدهر حتى يومنا هذا، “شينون كانشا”، وهو شعور عميق بالامتنان.
يتميز أوكاقي يوكوتشو Okage Yokocho بمجموعة جميلة من الهندسة المعمارية التي يعود تاريخها إلى فترتي Edo و Meiji ، مما يخلق جوًا رائعًا وتاريخيًا وقد تم إعادة إنتاج بعض المباني باستخدام أساليب البناء التقليدية وتم نقل البعض الآخر من مناطق أخرى في محافظة مي.
يمكن لزوار أوكاقي يوكوتشو Okage Yokocho تجربة الأطعمة المحلية اللذيذة و استكشاف التاريخ والثقافة اليابانية والعادات المحلية التقليدية والطيبة التي تشتهر بها إيسي.
بالإضافة إلى ذلك ، تم استخدام طريقة يابانية للبناء تسمى “كيزامي كاوي” kizami kakoi لحماية الهياكل من الرياح البحرية المستمرة والأمطار الموسمية في المدينة خلال العام.
إذا قمتم بزيارة هذه المنطقة فستستمتعون بالكثير من المطاعم والمحلات التي تبيع الكثير من الاشياء المتنوعة والتي تتميز بها المنطقة.
فوتامي اوكيتاما جينجا
معبد فوتامي اوكيتاما جينجا يقع على بحر ايسي ويعتقد بأنه معبد لتطهير العقل والجسد من الدنس والخطايا. وفي الوقت الحالي فهو مقصد للكثير من الناس حيث يقومون أولا بزيارة هذه المعبد لتطهير النفس وبعدها يتجهون الى معبد ايسي جينجو.
ما يميز هذا المعبد بأنه يوجد صخرتان على الماء، وهما مشهورتان جدا حيث تمثلان بوابات توري ويطلق عليهما توري مويتا Torii Meotoiwa أو الزوج الصخري حيث الحجر الكبير يمثل الزوج والحجر الصغير يمثل الزوجة. كلتا الصخور متصلتان بحبل شيميناوا الذي يعمل بمثابة الفصل بين العالمين الروحي والأرضي.
يركز الضريح على الزواج والانسجام الزوجي، كما تعتبر الضفادع من مساعدي اله “ساروتاهيكوكامي” ، لذلك هناك الكثير من تماثيل الضفادع في كل مكان داخل المنطقة.
يمكن رؤية العديد من منحوتات الضفادع بالقرب من الضريح حيث يُعتقد أنها نوع من السحر لإعادة الأشخاص أو الأشياء. مصطلح الضفدع في اليابانية (kaeru) يستخدم نفس المصطلح الصوتي للفعل “عودة”. يوجد متجر صغير ليس بعيدًا عن الضريح يبيع التمائم والقصاصات الورقية (omikuji)
يُنصح الزوار بزيارة الصخرتين أثناء ارتفاع المد عندما تكون الصخور مفصولة بالفعل بالمياه واذا كنت محظوظا فيمكنك الاستمتاع برؤية منظر الشروق الجميل على الصخرتين وجبل فوجي أيضا ولكن ذلك يتطلب أن يكون الطقس جيد والسماء في غاية الصفاء.
يمكن الوصول هنا عن طريق المشي لمدة 15 دقيقة من محطة جي آر فوتامينورا. أعتقد أنه لايمكن أن تكتمل زيارة محافظة ميء بدون القدوم إلى هذا المكان المتميز.
نابانا نو ساتو
من الأشياء التي تجعل اليابان دولة جذابة للزيارة هي المناظر الليلية. خاصة خلال فصل الشتاء، حيث يمكنك العثور على عروض الإضاءة الليلية في جميع أنحاء المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد.
لكن تشتهر حديقة الزهور العملاقة “نابانانوساتو” والتي تقع في مدينة كوانا في محافظة مي بأن بها أكبر وأفضل عروض للإضاءة الليلية في جميع أنحاء اليابان وهي مقصد للكثير من السياح حول العالم.
تبلغ رسوم القبول للحديقة 2300 ين أي ما يعادل 22 دولار أمريكي تقريبا ويتم تضمين قسيمة نقدية بقيمة 1000 ين يمكنك استخدامها داخل الحديقة.
توجد أيضًا متاجر للهدايا التذكارية ومطاعم داخل الحديقة، لذا يمكنك الاستمتاع بالتسوق باستخدام هذه القسيمة النقدية ومشاهدة الاضاءة الليلية الرائعة.
أكثر شيء يميز الاضاءة الليلية هنا هو “نفق الاضواء” الذي يمتد مسافة 200 متر، وجميع من زار هذا النفق قد وقع في حبه، وقد مدح كثير من الكتاب هذا النفق بأنه من أفضل الأماكن التي يتوجب على أي شخص زيارته أثناء فترة حياته.
في حين كانت الأرض مبللة داخل النفق فيمكنك التقاط صور في غاية الجمال حيث تنعكس الاضاءة على الارض المبللة وتزيد من بريق وجمال النفق.
أيضا يمكن الاستمتاع بالنفق الثاني للضوء، يطلق عليه باسم “اللافندر”. يتميز هذا النفق عن الذي سبقه (نفق الضوء) بلونه البنفسجي.
كذلك أيضا يمكنكم الاستمتاع ب “نهر النورالعظيم” وهو أكبر إضاءة ليلية على الماء في اليابان. لذلك فإن الأشخاص الذين يحبون التصوير الليلي بلا شك سيقضون وقتا ممتعا هنا.
يوجد حوالي 10 أماكن للطعام والشراب في الحديقة، بدءًا من المأكولات اليابانية والصينية ومن المطاعم الإيطالية الأصيلة إلى المقاهي البسيطة التي يمكنك التوقف فيها بشكل سريع، من الرائع أن تكون قادرًا على إرضاء معدتك أثناء مشاهدة الإضاءة!
كومانو كودو
كومانو كودو هو طريق الحج الذي يؤدي إلى كومانو سانزان (الأضرحة الثلاثة الكبرى في كومانو: هونغو تايشا، حياتاما تايشا، ناتشي تايشا).
يقع كومانو كودو جنوب يوشينو، وقد تم تكريمه كمكان مقدس عاشت فيه الآلهة منذ العصور القديمة ويعهد الناس سعادتهم المستقبلية إلى الآلهة من خلال عبور المسارات الوعرة عبر الطبيعة البرية لزيارة كومانو.
يعتبر طريق”كومانو كودو” جزء من التراث العالمي “المواقع المقدسة وطرق الحج في سلسلة جبال كي.” وقد تم إدراجه في قائمة التراث العالمي في يوليو 2004.
لم يتم ادراجه في قائمة التراث العالمي بسبب المسار الحجري والغابات الجميلة فحسب، ولكن أيضًا بسبب الثقافة الحية له كموقع مقدس.
في منتصف حقبة هييان، عندما تم تشكيل كومانو سانزان، تم الحفاظ على الطرق والمقاعد بسبب رحلات الإمبراطور على طول كومانو كودو. بعد ذلك، منذ انتشار الدين من البيت الإمبراطوري إلى الناس العاديين، زار العديد من الحجاج كومانو.
كانت تبدو سلالات الحجيج مثل النمل، لذلك أطلق عليه اسم “حج النمل إلى كومانو”. كان سبب الانتشار الهائل للدين هو أن آلهة كومانو كرماء وتقبل أي شخص، بغض النظر عن المكانة أو الجنس.
الخلاصة
مما لا شك في أن محافظة ميء مليئة بالمناطق الساحرة والجميلة التي تربط بين الماضي والحاضر. لا أخفيكم سرا أني لم أكن أدري الكثير عنها، ولكن الأن تعرفت عليها أكثر وسحرت بجمالها.
أتمنى زيارتها في أقرب فرصة ممكنة والانغماس في أجوائها الجميلة، ماذا عنكم، هل ترغبون بمشاركتي الرحلة أيضا أو زيارتها في المستقبل؟!